-->
في اللغة العربية: السَّلَف -بفتح السين واللام- يكشف عنها في مادة (س ل ف) وهو ما مضى وانقضى، والقوم السُّلاَّف: المتقدمون، وسلف الرجل: آباؤه المتقدمون. جمع سالف وهوكل مَن تقدمك من آبائك وذوي قرابتك في السن أوالفضل، وقالوا: إنَّه كل عمل صالح قدمته ، وقال السمعاني : السلفي - بفتح السين واللام وفي آخرها فاء - هذه النسبة إلى السلف، وانتحال مذاهبهم على ما سُعمت منهم .
أما مصطلح السلف الصالح فهو تعبير يُراد به المسلمون الأوائل من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. الذين عاشوا في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام، جاء الثناء عليها عن رسول الإسلام محمد في قوله:
«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعد ذلك أناس يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويكون فيهم الكذب.
ويُستثنى من ذلك أهل البدع كالخوارج، والشيعة، والمعتزلة، والقدرية، والجهمية، وغيرهم من الفرق.
والمذهب أو المعتقد السلفي : هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأئمة الدين ممن شُهد له بالإمامة وعُرف عظم شأنه في الدين وتلقي الناس كلامهم خلفًا عن سلف. ومن هؤلاء الأئمة: الأئمة الأربعة وسفيان الثوري، والليث بن سعد وابن المبارك، وإبراهيم النخعي، والبخاري، ومسلم، وسائر أصحاب السنن.
والسلفيون أو السلفية: الذين يعتقدون معتقد السلف الصالح، وينتهجون منهج السلف في فهم الكتاب والسنة وتطبيقهما.
[عدل]نشأة السلفية
يعتقد السلفية أنهم امتداد لمدرسة أهل الحديث والأثر الذين برزوا في القرن الثالث الهجري في مواجهة المعتزلة في العصر العباسي تحت قيادة أحمد بن حنبل أحد أئمة السنة الأربعة، فكان المعتزلة يتخذون مناهج عقلية في قراءة النصوص وتأويلها واستمدوا أصولهم المنطقية من الحضارة الإغريقية عن طريق الترجمة والتعامل المباشر، ورأى أهل الحديث في هذه المناهج العقلية خطراً يهدد صفاء الإسلام ونقاءه وينذر بتفكك الأمة وانهيارها. وانتهى هذا النزاع حين تولى الخليفة المتوكل أمر الخلافة وأطلق سراح ابن حنبل وانتصر لمنهجه ومعتقده. يعتبر الكاتب حسن أبو هنية محنة ابن حنبل في فتنة خلق القرآن بأنه: «كان حاسما في بلورة وعي سلفي عمل على بلورة موقف سلفي واضح ومتميز لأول مرة».
يقول محمد أبو زهرة أنه في القرن الرابع هجريا ظهرت جماعة من أهل الحديث تنسب آرائها لابن حنبل في إثبات بعض صفات لله بدعوى أن الله أثبتها لنفسه في القرآن والسنة، وذلك الأخذ بظواهر النصوص ثم تفويض الكيف والوصف. ثم أقر هذا المنهج كمنهج رسمي للدولة العباسية في زمن الخليفة القادر بالله بناء على منشور العقيدة القادرية الذي كتبه الخليفة وأمر أن يتلى في المساجد يوم الجمعة وأخذ عليه خطوط العلماء والفقهاء. وبحسب ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم؛ فقد أقر هذا المنهج كمنهج رسمي للدولة العباسية عام 433 هـ في زمن الخليفة القائم بأمر الله بناء على منشور العقيدة القادرية الذي كتبه الخليفة القادر.
بعد ذلك شهدت السلفية انحسارًا ملحوظًا شعبيًا وسياسيًا بعد انقسام الفقهاء الإسلاميين وأهل الحديث إلى حنبلية وأشعرية ، حتى قوي جانب الأشاعرة وتبنى بعض الأمراء مذهبهم . إلى أن ظهر ابن تيمية في القرن السابع بالتزامن مع سقوط عاصمة الدولة العباسية بغداد على أيدي التتار سنة 656هـ؛ فعمل على إحياء الفكر السلفي، وقام بشن حملة على من اعتبرهم أهل البدع داعيا إلى إحياء عقيدة ومنهج السلف من أجل تحقيق النهضة. ولقد أثارت دعوته جدلاً في الأوساط الإسلامية حينها، فاستجاب بعض العلماء وطلبة العلم لأفكاره مثل الذهبي وابن قيم الجوزية والمزي. ومن أفراد الطبقة الحاكمة مثل الأمير المملوكي سلار نائب السلطنة.
ثم شهدت السلفية انحساراً كبيراً مرة أخرى بعد ذلك. لتعاود الظهور مرة أخرى في القرن الثامن عشر الميلادي متمثلة في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية، والتي واكبت عصر انحطاط وأفول نجم الدولة العثمانية وصعود الاستعمار الغربي. وأحدثت هذه الدعوة تأثيرأً كبيراً في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وأحدثت لغطاً كبيراً بين مؤيديها ومعارضيها.
مصادر التلقي
يعتمد السلفية في تلقي دينهم على المصادر التالية :
القرآن: وهو المصدر الرئيسي للتلقي عند السلفية. ويستعينون على فهمه وتفسيره بالعلوم المساعدة على ذلك، كعلوم اللغة العربية، والعلم بالناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وبيان مكيه ومدنيه، ونحو ذلك من العلوم.
السنة الصحيحة: والسنة عندهم هي كل ما صححه علماء الحديث عن النبي من الأقوال والأفعال والصفات الخَلْقية أوالخُلُقية والتقريرات. والسنة منها الثابت الصحيح، ومنها الضعيف؛ والصحة شرط لقبول الحديث والعمل به عندهم بحسب قواعد التصحيح والتضعيف. ولا يشترطون أن يكون الحديث متواتراً، بل هم يعملون بالمتواتر والآحاد على السواء.
الإجماع: اتفاق جميع رجال الدين المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور على حكم شرعي، فإذا اتفقوا سواء كانوا في عصر الصحابة أو بعدهم على حكم من الأحكام الشرعية كان اتفاقهم هذا إجماعاً.
وهذه الأصول الثلاثة هي المصادر الرئيسية في التلقي، والسلفية لا يقرون قولاً ولا يقبلون اجتهاداً إلا بعد عرضه على تلك الأصول. ولا يخالفونها برأي ولا بعقل ولا بقياس. بل يجتهدون بآرائهم في ضوء تلك المصادر من دون أن يخالفوها.
القياس: وهو حجة عند جمهورهم سواء كان قياساً جلياً (حجة قطعية) أو خفياً (حجة ظنية). وخالفت الظاهرية فأخذوا بالقياس الجلي دون الخفي.
يعتقد السلفية ألا تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح. وأن النقل مقدم على العقل. فلا يجوز معارضة الأدلة الصحيحة من كتاب وسنة وإجماع بحجج عقلية أو كلامية.
التوحيد
السلفية يؤمنون بوحدانية الله وأحديته. ويؤمنون بأن الله هو رب هذا الكون وخالقه. ويؤمنون بأن لله أسماء وصفات أثبتها لنفسه في القرآن وفي سنة نبيه؛ فيثبتون لله كل ما أثبته لنفسه في القرآن والسنة الصحيحة من الأسماء والصفات. ويوجبون الإيمان بها كلها، وإمرارها على ظاهرها معرضين فيها عن التأويل، مجتنبين عن التشبيه، معتقدين أن الله لا يشبه شيءٌ من صفاته صفاتِ الخلق، كما لا تشبه ذاتُه ذوات الخلق، كما ورد في القرآن : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } سورة الشورى. وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة، تلقوها جميعًا بالإيمان والقبول، وتجنبوا فيها عن التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله.
كما يعتقدون أن الله وحده هوالمستحق للعبادة، فلا تصرف العبادة إلا لله. ويوجبون على العباد أن يتخذوا الله محبوباً مألوهاً ويفردونه بالحب والخوف والرجاء والإخبات والتوبة والنذر والطاعة والطلب والتوكل، ونحو هذا من العبادات. وأن حقيقة التوحيد أن ترى الأمور كلها من الله رؤية تقطع الالتفات إلى الأسباب والوسائط، فلا ترى النفع والضرر إلا منه. وأن من صرف شيئاً من العبادة لغير الله، متخذاً من الخلق أنداداً وسائطاً وشفعاءً بينه وبين الله، فيرون ذلك شرك .
القدر
يؤمن السلفية بالقدر خيره وشره، ويؤمنون به على جميع مراتبه. وهي:
العلم: فيؤمنون أن لله علماً أزلياً أحاط بكل شيء. فالله علم ما كان، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
الكتابة: ويؤمنون أن الله أول ما خلق، خلق القلم، فأمره أن يكتب مقادير الخلائق حتى تقوم الساعة، فكتبها القلم في اللوح المحفوظ.
المشيئة: ويؤمنون أن مشيئة الله نافذة، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. ولا يحدث شيء صغير أوكبير إلا بمشيئته سبحانه. وهم يفرقون في ذلك بين المشيئة الكونية والمشيئة الشرعية. فما أراده الله كوناً خلقه خيراً كان أوشراً، وما أراده شرعاً أمر به عباده ودعاهم إليه، فعلوه أولم يفعلوه.
الخلق: فما أراده الله خلقه في أجل معلوم. ومنهم من قال أن الفرق بين القضاء والقدر هو الخلق، فإذا علم الله أمراً فكتبه وجرت به مشيئته فذلك هوالقدر، حتى إذا خلقه الله فذلك هوالقضاء.
الإيمان
يؤمن السلفية أن الإيمان قول باللسان، وإخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح. ويزيد بزيادة الأعمال، وينقص بنقصانها. ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة، وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة.
وهم متفقون على أن للإيمان أصل وفروع، وأن الإيمان لا يزول إلا بزوال أصله. لذا فهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب ولا معصية، إلا أن يزول أصل الإيمان. ولا يوجبون العذاب ولا الثواب لشخص معين إلا بدليل خاص.
الصحابة
السلفية يحبون ويتولون صحابة محمد وأهل بيته وأزواجه أجمعين. ويؤمنون بفضائلهم ومناقبهم التي ثبتت لهم في القرآن والسنة. ويؤمنون بأفضلية الخلفاء الراشدون على جميع البشر بعد الأنبياء، وأن ترتيبهم حسب الأفضلية هو: أبوبكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة. ويؤمنون أن أزواجه هن أمهات المؤمنين، وهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً خديجة بنت خويلد وعائشة بنت أبي بكر.
وهم لا يؤمنون بعصمة أحد من الصحابة بعينه، بل تجوز عليهم الذنوب. ويعتقدون بعصمة إجماعهم فقط. ويسكتون عما شجر بينهم، وأنهم فيه مجتهدون معذورون، إما مخطئون وإما مصيبون. وهم بالجملة خير البشر بعد الأنبياء.[24]
ولقد برزت هذه العقيدة كركيزة رئيسية للمنهج السلفي، وذلك في مواجهة المد الشيعي المتمثل في الثورة الإسلامية الإيرانية وتوابعها.
مفهوم البدعة وموقفهم منها
يعتقد السلفية بأن البدعة هي: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالسلوك على الطريقة الشرعية .
وبحسب هذا التعريف؛ فمن معالم العقيدة السلفية كراهيتهم لما يعتبرونه بدعًا. كما يبغض السلفيون من يعتبرونهم أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم. ويحذرون منهم ومن بدعهم، ولا يألون جهداً في نصحهم وزجرهم عن بدعهم.
الحكم بالشريعة الإسلامية
يعتقد السلفية بوجوب إفراد الله بالحكم والتشريع أو ما يعرف حديثا بالإسلام السياسي. وأن أحكام الشريعة الإسلامية الواردة في الكتاب والسنة واجبة التطبيق في كل زمان ومكان حسب فهمهم لها. ويعتقدون أن من أشرك في حكمه أحداً من خلقه سواءً كان حاكماً أو زعيماً أو ذا سلطان أو مجلساً تشريعياً أو أي شكل من أشكال السلطة، فقد أشرك بالله. ولكنهم يفرقون بين من كان الأصل عنده تحكيم الشريعة ثم حاد عنها لهوى أو لغرض دنيوي، وبين من أنكر أصلاً وجوب الاحتكام إلى أحكام الشريعة الإسلامية ومال إلى غيرها من الأحكام الوضعية.
ولذلك؛ يعتقد السلفيون أن الأيديولوجيات العلمانية التي تحكم اللعبة السياسية في البلدان الإسلامية هي أيديولوجيات غربية مستوردة وغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه. ويرفضون الديمقراطية كنظرية سياسية، ويروجون لمصطلح "الشورى" كبديل شرعي إسلامي لها. كما يرفضون كافة المذاهب السياسية العلمانية السائدة، يمينية كانت أو يسارية.
ولا يعارض السلفية الانتخابات كآلية للوصول إلى بعض المناصب، ولكنهم يعترضون على بعض تفاصيلها، مثل تزكية المرشحين لأنفسهم، وتساوي كافة أفراد المجتمع في أصواتهم أياً كانت درجة علمهم وانضباطهم السلوكي والأخلاقي. كما يعترضون على الأطر الأيديولوجية التي تتم فيها عمليات الانتخابات في سائر الدول الإسلامية. فلذلك يعزف السلفيون عن المشاركة في أغلب عمليات الانتخابات في الدول العربية والإسلامية.
الفقه بين الاجتهاد والتقليد
يعتقد السلفية أن باب الاجتهاد كان ولا يزال مفتوحاً لأهل الاجتهاد والاستنباط، على عكس بعض الفقهاء الذين زعموا أن باب الاجتهاد قد أغلق ولم يبق للمسلمين إلا التقليد. ويشترطون للمجتهد أن يستكمل شروط الاجتهاد العلمية من معرفة القرآن وتفسيره وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وأسباب النزول، ومعرفة الحديث النبوي ومعرفة الجرح والتعديل وعلم الرجال والناسخ والمنسوخ فيه وأسباب ورود الحديث والمحكم والمتشابه والصحيح والسقيم، ومعرفة علم أصول الفقه، ومعرفة اللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها ومعرفة الواقع الذي تطبق عليه أحكام الشريعة، وأن يكون ممن آتاه الله فطنة وذكاء . والسلفية يحاربون التعصب للمذاهب الفقهية، ويدعون لتلقي الأحكام مباشرة من الكتاب والسنة قدر المستطاع، حتى لوخالف ذلك جميع الآراء المذهبية.
كما يجيز السلفية التقليد في مواطن عدة. منها الجاهل المحض الذي لا يفهم المقصود من الآية والحديث. كذلك المسائل الاجتهادية التي ليست فيها نص من الكتاب أوالسنة صحيح صريح يدل على المعنى بوضوح، فتختلف أنظار العلماء وأفهامهم للنص، وبعضهم يستدل به على قضية، والآخر يستدل به على عكس القضية. فهذه المسائل الاجتهادية الخلافية أيضاً يجوز فيها التقليد .
والسلفية يتبعون المذاهب الفقهية المعروفة عند أهل السنة والجماعة. ويكاد المذهب الحنبلي أن يكون مقصوراً عليهم. كما يكثر بينهم إتباع المذاهب الأخرى: الشافعي والمالكي والحنفي. كما يتبع بعضهم المذهب الظاهري.
الجهاد
يعتقد السلفية أن الجهاد بموجب أحكام الشريعة الإسلامية هو فريضة كفاية، قد تتعين على أهل مكان معين أو زمن معين. وأنها فريضة طلب ودفع، يقصد بها الدعوة إلى الله ونشر كلمته، كما يقصد بها الدفاع عن المقدسات الدينية وعن النفس والعرض والمال والعقل. ولهذا فقد حرص أئمة السلفية على الدعوة إلى الجهاد والحث عليه، كما قاموا بأداء واجبهم الجهادي بأنفسهم في مقاومة أعداء الأمة الإسلامية. ومن الأمثلة المعاصرة على ذلك: الشيخ أحمد عرفان باعث فكرة الجهاد ضد الإنجليز في الهند، والشيخ عز الدين القسام في فلسطين، والشيخ جميل الرحمن الأفغاني أول من دعى للجهاد ضد السوفيت في أفغانستان. ومع ذلك فهُم يرون بأنَّ للجهاد شروطاً وضوابطَ لا يمكن مباشرته إلا بتوفّرها، فإنْ كانوا في حال ضعف وعدم قدرة فيكفّون أيديهم ويعملون بآية الصبر والصفح ويكتفون بالدعوة إلى الله باللسان والحجة والبيان كما كان حال الرسول وأصحابه في مكة.
علم الكلام
يؤمن السلفية بأن علم الكلام هو علم دخيل على الإسلام استمده أوائل المتكلمين من فلسلفة اليونان وحكمة الفرس[29]. وأن طريقة علماء الكلام كالحديث عن الجواهر والأعراض، والحادث والقديم هي طريقة مبتدعة لم يكن عليها سلف الأمة الصالح، ولذا فهم يؤمنون بأن علم الكلام لا يصلح لاستنباط أصول الدين ومعرفة الله، وأن النصوص الإسلامية من قرآن وسنة نبوية فيها ما يكفي من الحجج العقلية والبراهين المنطقية لمجادلة المخالفين ودعوتهم إلى الإسلام[30].
ذهب بعض السلفية إلى جواز استعمال علم الكلام في باب الرد على أهل الكلام، ولدفع مزاعمهم بنفس طريقتهم، وإن إلتزموا بطريقة السلف في عدم الاستدلال ابتداءً بالحجج الكلامية لإثبات الحقائق الشرعية، (ومن هؤلاء الحافظ ابن تيمية[31]، والحافظ جمال الدين المزي. ولكن هذه الطريقة لم تلق قبولاً عند بعض السلفية؛ الذين منعوا الخوض في علم الكلام مطلقاً (مثل الحافظ الذهبي ، والمحدث الألباني
شبهات حول السلفية وجوابهم عليها
زيارة القبور
يعتقد البعض أن السلفية يمنعون زيارة القبور ويحرمونها، أو يعتبرونها من أبواب الشرك أو الكفر.
والحقيقة أن السلفية يجيزون زيارة القبور للإتعاظ والتدبر، والتفكر فيما إليه المآل من موت وحساب، ويعتقدون أنه قد وردت نصوصٌ صحيحة في الحث على زيارة القبور لأنها تذكر الموت.
ولكنهم يمنعون بعض الممارسات المتعلقة بالقبور، مثل إقامة الأبنية والمساجد والأضرحة عليها، أو الطواف حولها، أو التوجه بالطلب والدعاء للموتى في قبورهم ظناً أنهم يقضون هذه الحوائج، أو النذر والذبح عندها، أو زيارتها في الأعياد، أو إقامة الموالد عندها. ويعتقد السلفية أن كل هذه الممارسات تحتوي على مخالفات شرعية نهت عنها النصوص الصحيحة الثابتة.
التوسل
يعتقد البعض أن السلفية لا يجيزون التوسل بالأنبياء والصالحين على الإطلاق، أو أنهم يكفرون القائلين بالتوسل على العموم.
والحقيقة أن السلفية يجيزون التوسل بالأنبياء من عدة وجوه، فهم يجيزون التوسل إلى الله بمحبتهم، وبإتباع تعاليمهم، وبالانقياد لهم وطاعتهم فيما بلغوه عن الله. كما يجيزون التوسل إلى الله بدعائهم (أي بطلب الدعاء منهم في حال حياتهم)، ويجيزون التوسل بطلب شفاعة النبي محمد من الله.
ولكنهم يرون بعدم مشروعية التوسل إلى الله بذوات الأنبياء والصالحين (كأن يقول: اللهم إني أسألك بفلان، أو أتوسل إليك بحق فلان، أو بجاه فلان)، لأنها -بحسب معتقدهم- عبادة غير مشروعة لم ترد بها نصوص صحيحة، وإن كانوا يقرون بأنها مسألة خلافية لا يجوز الغلو في الإنكار على فاعلها، أو تكفيره.
أما التوسل إلى الأنبياء والصالحين بعد وفاتهم، بالتوجه إلى قبورهم وطلب قضاء الحاجات منهم ظناً أنهم يقضون هذه الحوائج، فهو ما ينكره السلفية بشدة، ويرون أنه غير مشروع، وأنه مخالف لمقتضيات التوحيد وإخلاص العبادة لله.
الشفاعة
يعتقد البعض أن السلفية لا يؤمنون بشفاعة النبي محمد وينكرونها. والحقيقة أن السلفية يؤمنون بشفاعة النبي محمد العامة في أمته، وأنها منزلة رفيعة خصه الله بها دوناً عن سائر الخلق. ويعتقدون أن الإيمان بالشفاعة هو من الأمور المجمع عليها، وعلمت من الدين بالضرورة. كما يعتبرون أن طلب شفاعة النبي محمد من الله هو من أبواب التوسل الجائز والمشروع بحاجة لتأكيد .
التبرك برسول الإسلام
التبرك هو طلب البركة. يعتقد البعض أن السلفية لا يجيزون التبرك بالنبي محمد(صلّى اللّه عليه و سلّم)، وأنهم يكفرون من يتبرك بشيء من آثار النبي محمد. والحقيقة أن السلفية يجيزون التبرك بكل ما إنفصل من جسد النبي محمد(صلّى اللّه عليه و سلّم) (كشعره وريقه وعرقه) أو ما اتصل به (كثوبه وقميصه وعمامته)، إن وجد شيء من هذا وثبت بإسناد صحيح متصل، وأن هذا خاص بالنبي محمد(صلّى اللّه عليه و سلّم) فقط، وأن هذا النوع من التبرك لم يحدث مع غيره من الصحابة والتابعين. كما أنهم لا يجيزون التبرك بالأحجار والأشجار وما إلى ذلك.
الاحتفال بالمولد النبوي
يعتقد السلفية أن الاحتفال بالمولد النبوي هو أمر مبتدع غير مشروع، أول من قام به هم العبيديون (المعروفون بالفاطميين) . وأن الاحتفال بالمولد النبوي لم يقم بعمله أحد من السلف الصالح، ولذا فهم ينكرون الاحتفال به وينهون عن إقامته .
التواجد
ينتشر السلفية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فيتواجدون في شبه الجزيرة العربية واليمن ومصر والعراق والشام وشمال إفريقيا والملايو. وتتبى السعودية الفكر السلفي بشكل رسمي، كما وأن في هذه الدول وغيرها جماعات وجمعيات تتبنى المنهج السلفي وتسعى لنشره، مثل: جماعة أهل الحديث في باكستان والهند وبنجلاديش ونيبال، وجماعة الدعوة إلى القرآن والسنة في أفغانستان، والجمعية المحمدية في إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا، وجمعية أنصار السنة المحمدية في مصر والسودان واريتريا وجمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت وجمعية دار البر في دبي وغيرهم.
فرقة الإخوان المسلمون
أثرت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية على سائر الحركات الإصلاحية التي ظهرت في العالم الإسلامي في مواجهة المستعمر الغربي، والذي بات يشكل تهديدا حقيقيا وخطرا في بلاد الإسلام، ومن ثم ازدهرت الدعوة إلى العودة للأصول التي قامت عليها الحضارة الإسلامية من خلال الدعوة إلى نبذ البدع والخرافات التي أدت إلى حالة الجمود والتخلف.[8] وتأثر بهذه الدعوة طائفة من الدعاة الإصلاحيين وأخذوا ببعض مبادئها، وإن ظلت العديد من معتقداتهم وآرائهم السياسية والدينية مخالفة للمنهج السلفي التقليدي المعروف. ومن أبرز هؤلاء الدعاة الشيخ حسن البنا وحركته الإصلاحية المعروفة بجماعة الإخوان المسلمين.
فرقتي القطبيون والسروريون
ومن أبرز المتأثرين بالدعوة السلفية كذلك الأديب والمفكر المصري سيد قطب، ولكن تأخر التزامه بالمنهج الإسلامي، وطول فترات اعتقاله، مع اعتلال صحته ومرضه حال دون تعرفه على المنهج السلفي بشكل كامل، ما أدى لمخالفته للسلفية في بعض القضايا الفكرية والاعتقادية. وتأثر بفكر سيد قطب وحمل رايته العديد من نشطاء العمل الإسلامي ومنهم أيمن الظواهري الذي أسس في مصر حركة الجهاد الإسلامي.
واعتماداً على آراء كل من سيد قطب ومحمد سرور زين العابدين الفكرية ونظرتهم للمجتمع المسلم، ونظريات حسن البنا وغيرهم الحركية ذات التوجه الديني نشأ تيار عريض يدعو للجهاد ضد كل أعداء الأمة الإسلامية، ويجعل منه قضيته الرئيسية وشغله الشاغل. كما يدعو للثورة على جميع النظم الحاكمة في مختلف الأقطار المسلمة، ويذهب لتأثيم جميع أفراد الأمة لقعودهم عن الجهاد ودحر الغزاة والمعتدين. ويعتبر الشيخ عبد الله عزام هو مؤسس هذا التوجه من خلال جهاده ضد السوفيت في أفغانستان. وتأثر به العديد من شباب وشيوخ المسلمين في ذلك الوقت، من أبرزهم الملياردير السعودي السابق أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة.
بعض حركات الجهاد المسلح
ولم يسلم هذا التيار من انتقادات دعاة وعلماء السلفية، فاتهموهم بأنهم تغاضوا عن الدعوة للتوحيد وترسيخ العقيدة في نفوس المسلمين، وأنهم أخطؤوا في دعوتهم للثورة على النظم الحاكمة، واعتمدوا في جهادهم على بعض الفتاوى والتطبيقات الخاطئة.
كما ظهرت جماعات مسلحة وصفت بالإرهابية، وتزعم أنها ترتبط بالسلفية على صعيد الانتساب للسلف، لكنها تتميز بتكفير كل من يخالف عقيدتها وتستبيح قتله كمرتد، لذا يعتبرها البعض أنها تسعى لتبييض صورتها أمام العالم الإسلامي من خلال نسب نفسها للسلف، في حين يدافع السلفية عن منهجهم بأنه وسطي ليس به تكفير ولا تفجير. يرى الكثير من المحللين أن هذة النزعة التكفيرية الجهادية نتجت لأسباب سياسية أهمها الهيمنة الأمريكية على العالم ودعمها لإسرائيل في الصراع العربي الإسرائيلي بالإضافة لاعتقادهم بأن الحكومات العربية عميلة للغرب المتمثل في أمريكا مما دفعهم لاعتناق ذلك الفكر الجهادي كنوع من المقاومة والنضال ضد الهيمنة الغربية .
من أبرز الإشكاليات التي أحاطت بعلاقة تلك الجماعات الجهادية بالحكومات تتمثل في تجارب اشتباك تلك الحركات مع بعض الحكومات اشتباكاً إيجابيا يقترب كثيرا من التحالف أوالاندماج مثلما حدث في السودان من 1992 إلى 1996 ثم في أفغانستان من 1996 إلى 2001 وبينهما تجربة جبهة الإنقاذ في الجزائر, غير أن هذه التجارب لم تتعرض للفحص الدقيق أوالدراسة المستفيضة حول معطياتها ونتائجها حتى الآن.
وفي المقابل التزم أتباع التيار السلفي التقليدي بالمنهج النصي للسلفية والالتزام بنموذج السلف الصالح كنموذج متكامل بحد ذاته وهوالسبيل الوحيد لتقدم أمة المسلمين في كل زمان ومكان
-->