مطابخ ودواليب حمامات كانديانا

مطابخ ودواليب حمامات كانديانا
قمة التصميم .. فن الإبداع .. روعة الخيال - أنقر علي البرواز لمشاهدة العديد من صور المطابخ

بحث داخل المدونة

محنة الإمام أبي حنيفة النعمان مع الخليفة أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس


لما انتهى الخليفة أبو جعفر المنصور من ثورة النفس الزكية، وفعل ما فعله مع الإمام مالك في المدينة، التفت لمن حامت عليهم الشائعات ودارت حولهم الأقاويل في اشتراكهم في ثورة النفس الزكية أو حتى تأييدهم لها، وعلى رأس هؤلاء الإمام أبو حنيفة، فطلبه إلى بغداد، فحمل الإمام إلى هناك، وفي مجلس الخليفة المنصور، دعا المنصور أبا حنيفة إلى منصب القضاء وهو يعلم علم اليقين أن الإمام سيرفض تمامًا كما فعل من قبل مع الأمويين وواليهم ابن هبيرة، وإنما أراد المنصور بهذا العرض أن يختبر مدى طاعة وولاء أبي حنيفة للدولة العباسية، وفي مجلس المنصور دار هذا الحوار الفريد بين الخليفة المستبد والإمام الكبير، فعن مغيث بن بديل قال: دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع، فقال المنصور: أترغب عما نحن فيه؟ [أي يشكك في طاعة الإمام للدولة].
فقال أبو حنيفة: لا أصلح.
فقال المنصور وقد احتد: كذبت.
فقال أبو حنيفة: فقد حكم أمير المؤمنين علي أني لا أصلح، ثم استخدم أبو حنيفة مهارته الفائقة في الإقناع والقياس فقال: فإن كنت كاذبًا فلا أصلح [يعني لكذبه]، وإن كنت صادقًا فقد أخبرتكم أني لا أصلح، وعندها غضب أبو جعفر المنصور بشدة وأقسم بأغلظ الأيمان ليليَّن الإمام منصب القضاء، وكان من الطبيعي أمام هذا الغضب وهذه الأيمان المغلظة وسطوة الخلافة أن يرضخ أبو حنيفة لكل هذه الضغوط ويوافق، ولكن أبا حنيفة العالم الرباني الذي لا يبالي إلا بسخط الله عز وجل وحده وغضبه، والذي يعلم عواقب أمثال هذه المناصب المشروطة يرد على الخليفة المنصور وقسمه بقسم أغلظ ويمين أوكد، ويقسم أبو حنيفة ألا يلي هذا المنصب الخطير، ومع قوة رد الإمام لم يستطع الخليفة المنصور أن يرد، وعندها يتدخل الربيع حاجب الخليفة المنصور في الحوار لعله أن يستطيع إثناء أبي حنيفة عن رأيه، ويقول للإمام أبي حنيفة مهددًا: ترى أمير المؤمنين يحلف وأنت تحلف؟ فرد أبو حنيفة بهدوئه ووقاره وفطنته المعهودة: أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني، وهو بذلك يؤكد على إصراره ورفضه لمنصب القضاء، وأنه مهما كانت الضغوط ومهما كانت شخصية صاحب هذه الضغوط وسطوته فلن يرضخ الإمام.
.
عندها قرر الخليفة المنصور أن يصعد ضغوطه على الإمام فخيره بين قبول القضاء أو السجن، وكأنا بالخليفة المنصور قد تأكدت عنده الشائعات التي راجت حول دعم أبي حنيفة لثورة النفس الزكية، وأراد أن ينكل بالإمام ويؤدبه بشدة كما حدث مع الإمام مالك، فأصر أبو حنيفة على الرفض ولسان حاله يقول: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، فأمر المنصور بضربه أولاً ثم حملوه في القيود إلى سجن بغداد.
.
وفي السجن المظلم عانى الإمام أبو حنيفة من التضييق والتشديد وأيضًا من التهديد بالقتل يومًا بعد يوم، وقد أمر الخليفة المنصور بالتشديد على الإمام وكان وقتها على مشارف السبعين وقد وهن جسده وحطمته دروس العلم وسؤالات الناس، ومع ذلك لم يتراجع أبو حنيفة عن قراره ولم تلن عزيمته قدر أنملة، ولكن إن صمد قلبه وروحه وعزيمته وإيمانه أمام كل هذه الضغوط، فإن الجسد الواهن لم يصمد كثيرًا، فتوفي الإمام أبو حنيفة في سجنه في رجب سنة 150هـ، وصعدت روحه إلى بارئها وهي في قيود السلطان لتخاصمه يوم القيامة أمام المحكمة الإلهية يوم لا ينفع مال ولا بنون، وقد قيل إن المنصور قد دس على الإمام أبي حنيفة من وضع له السم في السجن، وإن صح الكلام فلقد توفي الرجل شهيدًا صابرًا محتسبًا والله أعلم بما كان وسيكون.
العجيب في هذه المحنة التي تعرض لها الإمام أنها كانت بسبب فرار الإمام من الدنيا ومن المناصب، وإننا لنعجب من حال هذا الإمام الذي أقبلت عليه الدنيا بزخارفها، والمناصب تعرض عليه ويهدد بكل وسيلة من أجل أن يكون من أصحاب المناصب العليا ولكنه يرفض ويؤثر الضرب والسجن ثم الموت على أن يكون من الدنيا وأهلها، ونحن الآن نرى من ينتسب للعلم يتهافت على الدنيا والمناصب ويلهث وراء الدنيا ولا يبالي بأي شيء من أجلها، وهؤلاء عادة ما يكونون مطية للسلاطين والحكام وهم بذلك أسوأ مثال للعلم والعلماء، وهذا هو الفرق بين العلماء الربانيين والعلماء الدنيويين.
.
المرجع:
كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" للكاتب المفكر عبد المنعم الخن (الجزء الثاني - الفصل الثاني .. خلافة أبي جعفر المنصور)