دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" تحت الطبع لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الأول - الخلافة الأموية - الفصل العاشر) ..
.
الوليد بن يزيد بن عبد الملك (125- 126هـ)
هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أبو العباس الأموي الدمشقي وُلِدَ سنة 90هـ، ولم يتمكن أبوه من استخلافه لصغر سنه فعقد لأخيه هشام، وجعل الوليد وليًّا للعهد بعد هشام، كانت له ألقاب عدة: فلُقِّبَ بالبيطار، ولقب بخليع بني مروان والفاتك، وأمه أم الحجاج بنت محمد الثقفية , وهو الحاكم الحادي عشر من حكام بني أمية وحكم سنة واحدة وشهرين
.
حياته قبل الخلافة
لما ولي هشام أكرم ابن أخيه الوليد حتى ظهر عليه أمر الشراب وخلطاء السوء ومجالس اللهو، فأراد هشام أن يقطع ذلك عنه فأمره على الحج سنة ست عشر ومائة - وقد ذكر إبن كثير في كتابه البداية والنهاية - الجزء العاشر- خلافة الوليد بن يزيد - اصطنع الوليد قبة على قدر الكعبة، ومن عزمه أن ينصب تلك القبة فوق سطح الكعبة ويجلس هو وأصحابه هنالك، واستصحب معه الخمور وآلات الملاهي وغير ذلك من المنكرات، فلما وصل إلى مكة هاب أن يفعل ما كان قد عزم عليه من الجلوس فوق ظهر الكعبة خوفا من الناس ومن إنكارهم عليه ذلك، فلما تحقق عمه ذلك منه نهاه مرارا فلم ينته، واستمر على حاله القبيح، وعلى فعله الرديء كما اتهم بانه اهان المصحف الشريف الي غير ذلك من التهم الشنيعة التي الصقها أبناء البيت الأموي بابن عمهم، والحقيقة انه بالتكامل والبحث في النصوص اتضح ان هذه التهم مبالغ فيها، بل تكاد تكون مختلقة من أساسها بدافع الحقد والخصومة.
.
وعزم عمه على خلعه من الخلافة - وأن يولي بعده إبنه مسلمة بن هشام، وأجابه إلى ذلك جماعة من الأمراء، ومن أخواله، ومن أهل المدينة ومن غيره , والقارئ يُصاب بالحيرة جَرّاء هذا التناقض؛ فبعض المصادر بالغت في وصف سلوكه السيئ، في حين نفت بعض المصادر الأخرى ذلك عنه، ووصفته بالخليفة المجمَع عليه.
.
وقد كان الزهري يحث هشاما على خلع الوليد هذا، ويستنهضه في ذلك، فيحجم هشام عن ذلك، خوف الفضيحة من الناس، ولئلا تتنكر قلوب الأجناد من أجل ذلك، وكان الوليد يفهم ذلك من الزهري ويبغضه ويتوعده ويتهدده، فيقول له الزهري: ما كان الله ليسلطك عليَّ يا فاسق !
.
ثم مات الزهري قبل ولاية الوليد، ثم فر الوليد إلى البرية، فلم يزل بها حتى مات عمه هشام فاحتاط على أموال عمه ثم ركب من فوره من البرية وقصد دمشق، واستعمل العمال وجاءته البيعة من الآفاق، وجاءته الوفود، وكتب إليه مروان بن محمد - وهو إذ ذاك نائب أرمينية - يبارك له في خلافة الله له على عباده، والتمكين في بلاده، ويهنئه بموت هشام وظفره به، والتحكم في أمواله وحواصله، ويذكر له أنه جدد البيعة له في بلاده، وأنهم فرحوا واستبشروا بذلك.
.
كَثُرَ الأمراء الأمويين في الفترة الأخيرة من دولتهم، وكان أغلبهم من ذرية عبد الملك وعبد العزيز ومحمد بن مروان بن الحكم، وأقلهم من حفدة يزيد بن معاوية، ويستفاد من أخبارهم أنهم كانوا طائفتين، فمعظم الأمراء الصغار من أولاد الوليد وهشام والحجاج بن عبد الملك بن مروان، ومن أبناء عمر بن عبد العزيز كانوا عُصبةً واحدةً على الوليد، جمع بينهم التذمر منه والمنافسة له، والطمع في عزله، وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك أدهى خصوم الوليد، وأشدهم طعنًا فيه، وأكثرهم تحريضًا عليه، وأقواهم عزمًا على الإطاحة به، وآزَرَ يزيدُ إخوتَه بشرًا ومسرورًا وعمر، وروحًا وإبراهيم.
.
أما الأمراء الأمويون الكبار من أبناء عبد الملك ومن أبناء أخيه محمد بن مروان بن الحكم، ومن حفدة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فكانوا أرجح عقلاً من الأمراء الصغار والمتسرعين، وأكثر اعتدالاً وأوسع أفقًا، وأحسن وعيًا لما ينفع ويضر، فسالموا الوليد وصانعوه وأيَّدوه، وحاولوا كبح جماح الأمراء الصغار.
.
وكان من الأمراء الكبار الذين مع الوليد بن يزيد، مروان بن محمد بن الحكم، وسعيد بن عبد الملك بن مروان، فقد كانوا ينكرون الوثوب بالوليد ويسعون إلى ردع الأمراء الصغار المتذمرين المتسرعين، ورتق الفتن بينهم وبين الوليد، وعندما علم مروان بن محمد أن يزيد بن الوليد يدعو إلى نفسه بعث إلى سعيد بن عبد الملك بن مروان يحثه على تدارك الفتنة قبل وقوعها
.
يزيد بن الوليد كان من أقوى أعداء الوليد بن يزيد من الأمراء الأمويين الصغار الذين لم تحنكهم التجارب، ولم يكونوا يكترثون بتدهور الخلافة الأموية وسقوطها، فزَيَّنَ يزيد لأنداده من الأمراء الصغار الثورة على الوليد واستهواهم بآرائه، وما كان يُظهر من النسك والورع والتواضع؛ فاندفعوا إليه وآمنوا بآرائه، وأيدوا خطته ومطامعه؛ فعملوا على القرب من يزيد إرضاءً لغرورهم وكبريائهم، أو بحثًا عن الوجاهة والنباهة، أو انتقامًا من الوليد؛ لأنه أهملهم وأبعدهم واستهان، وأما الأمراء الأمويون الكبار فإنهم لم ينجحوا في إزالة أسباب الفرقة واستئصال جذور الفتنة لعوامل مختلفة منها ما يعود إلى بُعْدِ بعضهم، وتَسَتُّر العباس بن الوليد بن عبد الملك على أخيه يزيد، ومنها ما يُرَدُّ إلى خبث يزيد ودهائه ومراوغته ومخادعته لأخيه العباس كلما نهره وردعه، ومضيه في العمل والتخطيط واستقطاب الأنصار
.
وأدرك بعض أبناء الأسرة الأموية خطورة الوضع وما ينطوي عليه من كوارث قد تؤدي بالبيت الحاكم إلى الزوال، فحاولوا إيقاف التدهور، أو الحد من خطورته، إلا أنهم فشلوا في ذلك؛ مما دفع العباس بن الوليد بن عبد الملك إلى التعبير عن إدراكه العميق لحجم الكارثة فقال: "يا بني مروان، إني أظن الله قد أذن في هلاككم".
.
وزحف يزيد على دمشق واستولى عليها، وأَعَدَّ جيشًا بقيادة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك لقتال الوليد الثاني، وكان متحصنًا في البخراء على حدود تدمر، وتمكن هذا الجيش من اقتحام الحصن وقتل الخليفة.
.
والواقع أن هذه الأحداث شكلت بداية النهاية للحكم الأموي، بفعل انقسام البيت الأموي على نفسه، وفقدانه تأييد كتلة عربية كان لها دور كبير في تأسيس دولة الخلافة الأموية، وهم عرب اليمن في الشام، وخراسان الذين ساندوا الثورة العباسية.
.
علي كل حال اذن الله لدولة بني امية ان تزول وحق عليهم قول الله: (يخربون بيوتهم بأيديهم) ولم نبعد عن الصواب حين قلنا أن مقتل الوليد علي أيدي أبناء عمومته كان بداية النهاية لدولتهم ولم تجتمع لهم كلمة بعده كما حذرهم الوليد نفسه.
مراجع الفصل التاسع:
د. إيلي منيف شهلة، "الأيام الأخيرة في حياة الخلفاء"، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 1998، ص 238.
البداية والنهاية - الجزء 13 ص 17
تاريخ السيوطي ص451
الطبري. تاريخ الأمم والملوك. جـ7 ص8
سير أعلام النبلاء للذهبي جـ5 ص370