دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" تحت الطبع لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الأول - الخلافة الأموية - الفصل الحادي عشر .. خلافة يزيد بن الوليد) ..
..
خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان
هو يزيد الثالث بن الوليد الأموي القرشي (86-126هـ / 705م-744م) وهو الخليفة الأموي الثاني عشر, كان يكنى أبا خالد وأمه أم ولد وهي بنت فيروز بن يزدجرد. وكان أسمر طويلًا صغير الرأس بوجهه خال , سموه الناقص. وأول من سماه بهذا الاسم مروان بن محمد , وقيل: بل سمي بذلك لنقصان كان في أصابع رجليه وهو أول خليفة كانت أمه أمَة وكانت بنو أمية تتجنب ذلك توطيدًا للخلافة ولأنهم سقط إليهم أن ملكهم يزول على يد خليفة أمه من الإماء أي كانت جارية , وهذا الأمر هو الذي جعل الخليفة عبد الملك بن مروان لا يعهد بالخلافة إلي مسلمة بن عبد الملك وذلك لأن أمه كانت أمه أي أم ولد وهذا إصطلاح يطلق علي المرأة التي كانت جارية ثم تزوجت وأنجبت فتصبح حرة وللتفرقة يطلق عليها "أم ولد" وليس معني ذلك أنها أم ولد واحد فقد تكون أم أولاد كثيرة , علي العموم لم يول الخليفة عبد الملك بن مروان أبنه مسلمة لهذا السبب رغم أنه كان قائدا شجاعا لا يشق له غبار وكم أخمد من ثورات وقضي علي مؤامرات كانت تحاك للدولة الأموية الوليدة آنذاك.
.
ذكرنا في الفصل العاشر أن الوليد كان مشتغلًا باللعب واللهو معرضًا عن الدين قبل الخلافة فلما وليها زاد ذلك فثقل أمره على رعيته وكرهوه ثم ضم إلى ذلك أنه فسد أمره مع بني عمومته ومع اليمانية وهي أعظم جند الشام , وكان قد ضرب سليمان بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته ونفاه إلى عمان فحبسه بها فلم يزل بها حتى قتل الوليد وتولي يزيد بن الوليد بن عبد الملك الحكم.
.
تولي يزيد الخلافة:
تولى الحكم بعد قيامه بانقلاب على ابن عمه الوليد بن يزيد إذ تحرك من ضاحية المزة إحدى ضواحي دمشق وسيطر على المسجد الجامع وأرسل قائدا من عنده استطاع القاء القبض على الوليد الثاني في قصره وقتله. كانت نفسه تميل للإصلاح وكان متقشفا , سمي بيزيد الناقص لأنه أراد أن يقتدي بعمر بن عبد العزيز فأنقص رواتب الجيش أسوة بعمر بعد أن كان يزيد الذي قتله كان قد زادها بعد توليه الخلافة , ولى عهده أخوه إبراهيم بن الوليد.
.
بعد مقتل الخليفة الوليد أعتلي يزيد بن الوليد المنبر وخطب في الناس فقال: "إني والله ما خرجت أشرا ولا بطرا، ولا حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، وإني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربي، ولكن خرجت غضبا لله ولدينه، وداعيا إلى كتاب الله وسنة نبيه، حين درست معالم الهدى، وطفئ نور أهل التقوى، وظهر الجبار المستحل للحرمة، والراكب البدعة، فأشفقت إذ غشيكم ظلمه أن لا يقلع عنكم من ذنوبكم، وأشفقت أن يدعو أناسا إلى ما هو عليه، فاستخرت الله، ودعوت من أجابني، فأراح الله منه البلاد والعباد.
أيها الناس إن لكم عندي إن وليت أن لا أضع لبنة على لبنة، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد حتى أسد الثغور، فإن فضل شيء رددته إلى البلد الذي يليه، حتى تستقيم المعيشة وتكون فيه سواء، فإن أردتم بيعتي على الذي بذلت لكم، فأنا لكم، وإن ملت، فلا بيعة لي عليكم، وإن رأيتم أقوى مني عليها، فأردتم بيعته، فأنا أول من يبايع، ويدخل في طاعته، وأستغفر الله لي ولكم"
وقد كان أول خليفة أموى يتمذهب بمذهب المعتزل.
.
وفاته:
توفي بعد توليه الخلافة بقليل فلم يدم حكمه أكثر من ستة أشهر.وقيل : خمسة أشهر وأيام . وصلى عليه أخوه إبراهيم بن الوليد وهو ولي عهده من بعده , وذكر سعيد بن كثير بن عفير أنه دفن بين باب الجابية وباب الصغير وقيل : إنه دفن بباب الفراديس.
المرجع:
البداية والنهاية لإبن كثير
