أروى القيروانية، المرأة التونسية الحرة التي جعلت من رفضها تعدد الزوجات وإمتلاك الجواري شرطا لزواجها من أبي جعفر المنصور ولي عهد الخليفة أبو العباس السفاح
..
أنها "أروى القيروانية" ، المرأة التونسية الحرة التي رفضت تعدّد الزوجات وإمتلاك اليمين (الجواري) وقيدت الخليفة بهذا الشرط الذي لم يستطع منه فكاكا.
.
دخل أبو جعفر المنصور إلى القيروان هارباً من ملاحقة الأمويين فنزل في بيت منصور والد أروى وانبهر بجمالها وخطبها فاشترط عليه والدها «ألا يتزوج غيرها وألا يتخذ ملكات اليمين معها» وإلا فإن طلاقها بيدها على عادة أهل القيروان (الصداق القيرواني). وكان ذلك في أواخر عهد هشام بن عبدالملك (105- 125هـ/ 724-743م)
..
وبعد أن أصبح أبو جعفر خليفة وصار بمقدوره أن يتسرى بما شاء من الجواري أراد أن يتحلل من عقده فكتب إلى الفقهاء في الحجاز والعراق يستفتيهم في الزواج والتسري وكان من بينهم الإمام أبو حنيفة النعمان , وقد أفتاه العلماء بما يرغب طمعا في ذهب الخليفة إلا أبي حنيفة الذي أكد علي شرعية الشرط الذي أشترطته زوجته وبناء علي هذا الشرط تم عقد الزواج ولا يجوز التحلل من هذا الشرط , وهنا أنبري وزير الخليفة للدفاع عن رغبة الخليفة وقال لأبي حنيفة: ألم يحلل الله الزواج مثني وثلاث ورباع؟ فأجاب الإمام: نعم ثم سأل الوزير:
أفرض تاجرين في السوق يبيعان صنفا واحدا من القماش وأتفقا معا علي أن يتولي أحدهما بيع هذا الصنف دون الآخر فهل هذا يعد حراما وخروجا عن الدين؟
فأجاب الوزير: لا
وهنا قال له الإمام: كيف لا وقد حلل الله البيع؟ , وأصر الإمام علي موقفه وقال للخليفة لا يجوز لك التحلل من هذا الشرط وهو عهد وقد قال الله "ووفوا بالعهود"
..
وفي رواية أخري أن دعا أبو ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر أبا حنيفة وﻗﺎل له: ﻛﻢ ﯾﺤﻞّ ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﺤﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء؟ ﻓﻘﺎل: أرﺑﻊ ﻓﻘﺎل اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ لأروى: اﺳﻤﻌﻲ ﯾﺎ ﺣﺮة...
ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﺣﻨﯿﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺪﯾﮭﺔ: ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ: ﻻ ﯾﺤﻞ ﻟﻚ إﻻ واﺣﺪة!
ﻓﻐﻀﺐ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ وﻗﺎل: اﻵن ﻗﻠﺖ أرﺑﻊ؟
ﻓﻘﺎل: ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ، ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ «ﻓﺎﻧﺤﻜﻮا ﻣﺎ ﻃﺎب ﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﻓﻮاﺣﺪة» ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺘﻚ ﺗﻘﻮل: "اﺳﻤﻌﻲ ﯾﺎ ﺣﺮة" ﻋﺮﻓﺖ أﻧﻚ ﻻ ﺗﻌﺪل، ﻓﻠﮭﺬا ﻗﻠﺖ ﻻ ﯾﺤﻞ ﻟﻚ إﻻ واﺣﺪة.
.
ولما سمعت زوجة الخليفة "أروي" ما كان من الإمام أبي حنيفة النعمان وتأكيده علي صحة الشرط أرسلت مع عبد تملكه صرة بها عشرة آلاف دينار ذهبية ووعدت العبد بعتقه إذا قبل الإمام هذه العطية , ولكن الإمام رفض أخذ العطية وأمره أن يعود بها من حيث أتي رغم توسلات العبد له بأن يقبل العطية كي تعتقه سيدته ويصير حرا , ولكن المبدأ أحق أن يتبع , كما رفض الإمام تولي منصب القضاة في عهد ذات الخليفة أبي جعفر المنصور الذي حاول معه قبول هذا المنصب مرة بالترغيب ومرة بالترهيب , ولم ينفع كل هذا مع الإمام العظيم فسجنه الخليفة الظالم وظل في محبسه إلي أن لقي ربه رحمه الله (راجع مقالتي "محنة الأمام أبي حنيفة النعمان مع الخليفة أبي جعفر المنصور" علي نفس الصفحة علي الفيسبوك)
..
نعود إلي الخليفة أبي جعفر المنصور الذي ظل وفيا للشرط ووفيّا لزوجته "أروي" طيلة حياتها وحينما توفيت تزوّج أكثر من مرة وتسرى بمئات الجواري كعادة الخلفاء كلهمو.
.
وقد أنجبت أروى للمنصور ابنه محمد، الذي تولى الخلافة بعده بلقب المهدي (158 - 169هـ/ 778 - 785م).
.