مطابخ ودواليب حمامات كانديانا

مطابخ ودواليب حمامات كانديانا
قمة التصميم .. فن الإبداع .. روعة الخيال - أنقر علي البرواز لمشاهدة العديد من صور المطابخ

بحث داخل المدونة

"مآسي الخلافة كنظام للحكم .. الباب الثاني - الفصل الخامس: (خلافة هارون الرشيد- المبحث الثاني) لمؤلفه عبد المنعم الخن


دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" تحت الطبع لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية - الفصل الخامس .. المبحث الثاني: خلافة هارون الرشيد - الخليفة العباسي الخامس) 
.
المبحث الثاني: 
وقفنا في المبحث الأول من خلافة هارون الرشيد عندما ولي الرشيد يحيى بن خالد الوزارة وقال له: قد فوضت إليك أمر الرعية وخلعت ذلك من عنقي وجعلته في عنقك، فول من رأيت واعزل من رأيت.
.
وكان ذلك إعترافا من هارون الرشيد لبحيي وفضله حيث أشرفت على تربيته أسرة يحيي وهو من البرامكة الفارسية التي كان لها روابط وثيقة بأسرة الخلافة وعائلة المهدي ومن أجل ذلك استوزره الرشيد وزارة تفويض وهي الوزارة التي تستغني عن تواقيع الخليفة من أجل ذلك أضاف الرشيد الخاتم إلى يحيى بن خالد مع الوزارة سنة 171هـ , ثم إن هارون أمر يحيى بن خالد أن لا يقطع أمراً إلا بمشاورة والدته الخيزران , فكانت هي المشاورة في الأمور كلها، فتبرم وتحل وتمضي وتحكم.
.
هذه الوزارة على عكس وزارة التنفيذ التي يباشرها الخليفة بنفسه , فقام يحيى البرمكي بإدارة شؤون الدولة خير قيام وكان يساعده في ذلك ولداه الفضل وجعفر، أما الفضل فقد كان إداريا ماهرا وكانت مهارته في اخماد ثورة يحيى بن عبد الله العلوي دون أن يسفك دما كذلك كان كريما سخيا, وقد ولاه الرشيد بلاد المشرق (خراسان وطبرستان وأرمينيا وبلاد ما وراء النهر) قام الفضل هناك بأعمال انشائية عظيمة الشأن من حفر القنوات وبناء المساجد والزوايا فحسنت سيرته في تلك البلاد. أما جعفر البرمكي وهو أصغر سنا من الفضل فقد ولاه الرشيد على الجزيرة والشام ومصر وأفريقية, وكان محبوبا لدى الرشيد فاستبقاه في بغداد كي يكون قريبا منه وهذه الثقة الكبيرة التي أولاها الرشيد لجعفر البرمكي جعلت له نفوذا في الدولة , كما أعطى الرشيد البرامكة سلطات واسعة وافسح لهم المجال في الاشراف على جميع مرافق الحياة العامة في الإدارة والعلوم والفنون.
.
كنيته قبل وبعد توليه الخلافة
كان الرشيد يكنى قبل الخلافة بابو موسى وبعد الخلافة اصبح يكنى بابو جعفر, وفي نفس هذه الليلة (14 ربيع الأول 170 هـ/14 سبتمبر 786م) ، ولد للرشيد ابنه الخليفة عبدالله المأمون, واصبحت هذه الليلة تسمى ب"ليلة الخلفاء الثلاثة" حيث توفي الخليفة موسى الهادي وتولى الخليفة هارون الرشيد وولد الخليفة عبدالله المأمون. 
.
غزارة دمعه عند الموعظة
وروى أن ابن السماك دخل على الرشيد يوما فاستسقى فأتى بكوز فلما أخذه قال على رسلك يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها قال بنصف ملكي قال اشرب هنأك الله تعالى فلما شربها قال أسألك لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها قال بجميع ملكي قال إن ملكا قيمته شربة ماء وبولة لجدير أن لا ينافس فيه فبكى هارون الرشيد بكاء شديدا.
.
وقال ابن الجوزي قال الرشيد لشيبان عظني قال لأن تصحب من يخوفك حتى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى يدركك الخوف فقال الرشيد فسر لي هذا قال من يقول لك أنت مسئول عن الرعية فاتق الله أنصح لك ممن يقول أنتم أهل بيت مغفور لكم وأنتم قرابة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم فبكى الرشيد بكاء شديدا.
.
غزوه أطراف الروم
أسند الصولى عن يعقوب بن جعفر قال خرج الرشيد في السنة التي ولى الخلافة فيها حتى غزا أطراف الروم وانصرف في شعبان فحج بالناس آخر السنة وفرق بالحرمين مالا كثيرا وكان رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال له إن هذا الأمر صائر إليك في هذا الشهر فاغز وحج ووسع على أهل الحرمين ففعل هذا كله, ولقد أمسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الثانية والعشرين من عمرهِ، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وأزدهار حضارتها.
.
إخماد ثورات الخوارج 
ظهرت طائفة الخوارج أثناء القتال الذي جرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان, واستمر خروج هذه الطائفة على خلفاء بني أمية وبني العباس, لكنهم لم يكونوا بالخطورة التي كانوا عليها في العصور السابقة أثناء عصر الرشيد لذلك سهل على الرشيد القضاء على ثوراتهم. كانت أول ثورة قام بها الخوارج قادها الفضل بن سعيد الحروري لكنه قتل بعد فترة وجيزة من خروجه. ثم الصحصح الخارجي بالجزيرة فتصدى له والي الجزيرة لكنه انهزم أمامه وسار الصحصح إلى الموصل فقاومه عسكر المدينة بباجرمي لكنهم لم يتمكنوا منه وعاد إلى الجزيرة, فأرسل له الرشيد جيشا لحقه بدورين فقتله وقضى على ثورته. 
.
و في سنة 178 هـ خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة فدخل إلى أرمينية وحاصر مدينة خلاط عشرين يوما فافتدوا منه أنفسهم بثلاثين ألفا. ثم سار إلى أذربيجان ثم إلى أرض حلوان وأرض السواد ثم عبر إلى غرب دجلة وقصد مدينة بلد وافتدى أهلها منه بمائة ألف, وبقي في أرض الجزيرة فأرسل اليه الرشيد قائده يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني الذي واجه الوليد وانتصر عليه وقضى على ثورته وانتهت الأزمة بمقتل الوليد. و في عام 179 هـ خرج حمزة بن أترك السجستاني وعظم أمره عام 185 هـ عندما عاث فسادا في بادغيس بخراسان فتصدى له عيسى بن علي بن عيسى وقتل الكثير من أعوانه وهرب حمزة إلى كابل. و في سنة 191 هـ خرج ثروان بن سيف في سواد العراق فتصدى له طوق بن مالك أدى إلى فرار ثروان ولم يعد له من أثر يذكر. 
.
إنهاء الفتن الداخلية 
ظهرت حركات استقلالية في دولة الخلافة ترغب في الاستقلال وتصدى لها الرشيد وقضى عليها. في سنة 178 هـ قامت طائفة من قيس وقضاعة على والي مصر فقاتلوه فبعث لهم الرشيد هرثمة بن أعين فقاتلهم حتى أذعنوا له الطاعة وأدوا ما عليهم من الخراج, كذلك أخمد هرثمة فتنة قامت في أفريقيا بقيادة عبدويه الأنباري, وكان الفضل فيها يعود ليحيى البرمكي الذي كاتب عبدوية ووعده الأمان ان استجاب له فاستسلم عبدويه ووفى له يحيى بالأمان. و ظهرت بعض الفتن في عام 176 هـ في الشام بين القبائل المضرية واليمانية ودامت المعارك بينهما دهرا طويلا فأرسل الرشيد جيشا أنهى تلك الفتنة عام 177 هـ. و في عام 185 هـ خرج أبو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي واحتل أبيورد وطوس ونيسابور ثم هزم في مرو وخرج اليه علي بن عيسى بن ماهان وواجهه وقضى عليه عام 186 هـ
.
غزوة هارون لتأديب نقفور ملك الروم
في سنة سبع وثمانين ومائة جاء للرشيد كتاب من ملك الروم نقفور بنقض الهدنة التي كانت عقدت بين المسلمين وبين الملكة ريني ملكة الروم وصورة الكتاب [من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيذق فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أضعافه إليها، وذلك لضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وإلا فالسيف بيننا وبينك] فلما قرأ الرشيد الكتاب استشاط غضبا حتى ما تمكن أحد أن ينظر إلى وجهه فضلاً أن يخاطبه وتفرق جلساؤه من الخوف واستعجم الرأي على الوزير فدعا الرشيد بدواة وكتب على ظهر كتابه بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه ثم سار ليومه فلم يزل حتى نزل مدينة هرقل وكانت غزوة مشهورة وفتحا مبينا فطلب نقفور الموادعة والتزم بخراج يحمله كل سنة.
.
حبه لرسول الله وسنته
كان الرشيد يحب العلماء ويعظم حرمات الدين ويبغض الجدال والكلام، وقال القاضي الفاضل في بعض رسائله ما أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ على مالك رحمه الله. 
- ولما بلغه موت عبد الله ابن المبارك حزن عليه وجلس للعزاء فعزاه الأكابر.
- قال أبو معاوية الضرير ما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي الرشيد إلا قال صلى الله على سيدي ورويت له حديثه "وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيى ثم أقتل " فبكى حتى انتحب.
.
هارون الرشيد والعلماء.
كان الرشيد مثقفا ثقافة عربية واسعة وكان يملك أدبا رفيعا وتذوقا للشعر واللغة لذلك قيل: كان فهم الرشيد فهم العلماء. وكانت مجالسه تملأ الشعراء والعلماء والفقهاء والأطباء والموسيقيين, وكان كثيرا ما يناقش العلماء والأدباء, كذلك كان ينقد الشعر والشعراء. كان يقول: " البلاغة التباعد عن الاطالة, والتقرب من معنى البغية, والدلالة بالقليل على المعنى", كذلك لما بلغه موت عبد الله ابن المبارك حزن عليه وجلس للعزاء فعزاه الأكابر, وكان الرشيد يأتي بنفسه الى بيت الفضل بن عياض.
قال ابو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتاب (سير اعلام النبلاء):"و كان يحب العلماء, ويعظم حرمات الدين, ويبغض الجدال والكلام, ويبكي على نفسه اذا وعظ".
.
اشتهرت شخصية الرشيد في أوروبا نتيجة لعلاقته الودية مع امبراطور الدولة الرومانية المقدسة شارلمان (768 - 814 م)، بودلت بينهما السفارات، والبعثات الدبلوماسية المتنوعة كما وردت في الحوليات الملكية الكارولنجية "Carolingian Royal Annales" في المدة التي بين 797 - 806 م، أرسل شارلمان ثلاث سفارات مختلفة إلى البلاط العباسي في بغداد وفي المقابل أرسل الرشيد بعثتان تجاريتان على الأقل إلى أوروبا, ففي عام 801 م وصلت أولى البعثات العباسية إلى بيزا بشمال إيطاليا تبعتها سفارة ثانية إلى آخن بألمانيا ولا شك أن المصالح السياسية كانت وراء هذا التفاهم الودي بين الملكين, فقد أراد شارلمان من وراء هذا الحلف أن يضعف من نفوذ امبراطور الدولة البيزنطية، واستغل الرشيد هذا الحلف ضد أعدائه البيزنطيين والأمويين في الأندلس على السواء. 
.
كانت تلك البعثات المتبادلة بين الملكين مرفقة عادة بالهدايا الوافرة وقد اختار شارلمان المنتجات القيمة من أقمشة ملكية فاخرة وأرسلها مع سفرائه إلى الرشيد, أراد شارلمان توسيع صادرات الأقمشة من فرنسا إلى أراضي الدولة العباسية وبالتالي تعزيز التجارة في مملكته, ورد عليها الرشيد بأن أرسل إلى شارلمان عطورا وأقمشة وفيلا ولوحة شطرنج وساعة مائية, كما عرض عليه الخليفة أن يكون حاميا للأماكن المسيحية المقدسة في بيت المقدس, 
.
ساعة الرشيد وشارلمان 
يذكر أن الساعة المائية التي أرسلها الرشيد إلى شارلمان مصنوعة من النحاس الأصفر بارتفاع نحو أربعة أمتار وتتحرك بواسطة قوة مائية وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد من الكرات المعدنية يتبع بعضها البعض الاخر بحسب عدد الساعات فوق قاعدة نحاسية فتحدث رنينا جميلا في أنحاء القصر الامبرطوري كانت الساعة مصممة بحيث يفتح باب من الأبواب الاثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة ويخرج منه فارس يدور حول الساعة ثم يعود إلى المكان الذي خرج منه وعندما تحين الساعة الثانية عشر يخرج اثنا عشر فارسا مرة واحدة يدورون دورة كاملة ثم يعودون من حيث أتوا وتغلق الأبواب خلفهم، أثارت الساعة دهشة الملك وحاشيته, واعتقد الرهبان أن في داخل الساعة شيطان يسكنها ويحركها, وجاؤوا إلى الساعة أثناء الليل، واحضروا معهم فؤوسا وحطموها إلا أنهم لم يجدوا بداخلها شيئا سوى آلاتها، وقد حزن الملك شارلمان حزنا بالغا واستدعى حشدا من العلماء والصناع المهرة لمحاولة إصلاح الساعة واعادة تشغيلها, لكن المحاولة فشلت, فعرض عليه بعض مستشاريه أن يخاطب الخليفة هارون الرشيد ليبعث فريقا عربيا لإصلاحها فقال شارلمان " انني أشعر بخجل شديد أن يعرف ملك بغداد أننا ارتكبنا عارا باسم فرنسا كلها".
غير أن السفارات المتبادلة بين الرشيد وشارلمان قد ذكرت في المصادر الأوروبية فقط, ويرجع بعض المؤرخين الأوروبيين أمثال بارتولد وبروكلمان أن بعض التجار العراقيين الذين ذهبوا إلى مدينة اكس لاشابيل (آخن) قاعدة شارلمان انتحلوا صفة السفراء الناطقين باسم الرشيد لدى شارلمان من غير تفويض, ولهذا لم يرد ذكرهم في المراجع العربية, وكان اعتماد الجانبين في أداء هذه المهام الدبلوماسية على العلماء والفقهاء في أغلب الأحيان. 
.
وألي اللقاء في المبحث الثالث من الفصل الخامس "خلافة هارون الرشيد" وسأتكلم فيه عن البرامكة ومحنتهم مع الرشيد وقتلهم جميعا.
.
المراجع:
البداية والنهاية لإبن كثير
تاريخ الخلفاء للسيوطي.
تاريخ الإسلام للذهبي.
سير أعلام النبلاء للذهبي.
كتاب الدولة العباسية للدكتور عطية القوصى بجامعة القاهرة - كلية الآداب - قسم التاريخ