مطابخ ودواليب حمامات كانديانا

مطابخ ودواليب حمامات كانديانا
قمة التصميم .. فن الإبداع .. روعة الخيال - أنقر علي البرواز لمشاهدة العديد من صور المطابخ

بحث داخل المدونة

مآسي الخلافة كنظام للحكم .. الباب الثاني - الفصل السابع: (خلافة المأمون بن الرشيد) لمؤلفه عبد المنعم الخن


....

دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" تحت الطبع لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية - الفصل السابع.. خلافة المأمون بن الرشيد - الخليفة العباسي السابع) 
.
من هو الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد؟...
هو ابو العباس عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن المنصوروالملقب بالمأمون , وهو سابع خلفاء بني العباس، ولد في بغداد في 14 ربيع الاول 170ه الموافق 14/9/786م في اليوم الذي ولي فيه والده الخلافة, وامه هي مراجل الفارسية وقد ماتت في نفاسها به, وقد قامت السيدة زبيدة إبنة عم هارون الرشيد وزوجته بتربيته. 
.
سماته
قال ابو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتاب (سير اعلام النبلاء): قال ابن أبي الدنيا : كان أبيض ربعة، حسن الوجه، تعلوه صفرة، قد وخطه الشيب، وكان طويل اللحية، أعين، ضيق الجبين، على خده شامة , واصبح وليا ثانيا للعهد بعد أخيه الأمين عندما كان عمره 13سنة..
.
سيرته قبل الخلافة
عهد والده هارون بولاية العهد له بعد أخيه المأمون وولاه خراسان وما يتصل بها إلى همذان، ومنحه بمقتضى الشروط التي عقدها استقلالا يكاد يكون تاما وذلك بموجب مواثيق كان هارون الرشيد قد أخذها علي ولدية الأمين والمأمون , وأخذت شكل مراسيم علقها علي الكعبة أثناء قيامه بالحج هو وولديه سنة 186هـ وذلك من أجل إكتسابها القدسية والبركة , وكان هدف الرشيد من ذلك هو أن يخلص كل من ولديه للأخر وألا يتنازعوا فيما بينهم بعد وفاته.
.
كان الأمين يمثل العرب فأمه زبيدة عربية من بني العباس أما المأمون فكان يمثل العجم (هذه كلمة تطلق في كتب التاريخ علي كل من هو ليس عربي) وأمه فارسية من خراسان , وبموجب هذه المواثيق ربما كان يهدف الرشيد من ضمن ما يهدف هو ألا يفرق بين العرب والعجم لأن هذه المراسيم قد ضمنت الخلافة للعربي النسب وللعجم بزعامة رجل أخواله من البرامكة أي من العجم. 
.
توليه الخلافة
لقد تم الأمر للمأمون من محرم 198هـ بعد مقتل أخيه الأمين حتى رجب 218هـ بالعراق على يد قائدين وصفتهما كتب التاريخ بأنهما مخلصين عظيمين هما: طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين.
.
سياسة المأمون بعد توليه الخلافة 
أولا- سياسة المأمون تجاه الفرس
اتسمت سياسة المأمون بأنها جمعت بين المواقف المتناقضة التي يصعب التوفيق بينها، فكان يميل إلى الفرس تارة ثم إلى العلويين تارة أخرى ثم يميل إلى أهل السنة والجماعة تارة ثالثة، فاستطاع بتلك السياسة المرنة أن يجمع بين المواقف المتناقضة وأن يرضي جميع الأحزاب ويتغلب على معظم الصعاب. بويع بالخلافة أثناء وجوده في خراسان ولهذا لم بنتقل إلى بغداد مقر الخلافة العباسية، بل ظل مقيما في مدينة مرو بخراسان مدة ست سنوات تقريبا انتقل بعدها إلى بغداد سنة 204 هـ ويقال أن سبب ذلك هو أن المأمون كان يخشى أهل بغداد أنصار أخيه وقيل كذلك أن وزيره الفضل بن سهل هو الذي أقنعه بذلك كي يكون مركز الدولة بين الفرس في خراسان.
.
ثانيا- سياسة المأمون نحو العلويين
أما من جهة سياسة المأمون نحو العلويين فكانت تتسم بالعطف والتسامح وكأنه أراد بذلك أن يتلافى مغبة السياسة القاسية التي سلكها اباؤه العباسيون نحوهم من قبل ويلاحظ أن ميل المأمون إلى العلويين يتفق مع ميوله الفارسية، إذ كانت أمه وزوجته فارسيتين وكان الفرس يعتقدون أن العلويين هم وحدهم أحق بالخلافة بسبب صلة النسب التي تربطهم بال علي منذ أن تزوج الحسين بن علي ابنة يزدجرد الثالث ملك الفرس الساساني.لقد قام المأمون في هذا السبيل بحركة سياسية غريبة احتار المؤرخون في تفسيرها وهي أنه في سنة 201 هـ اتى بأمير علوي وهو الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق وهو الإمام الثامن عند الإمامية الاثني عشرية وبايعه بولاية العهد، ولقبه بالرضا من ال محمد، وزوجه ابنته أم الحبيب وأمر جنوده بطرح السواد شعار العباسيين ولبس الثياب الخضراء شعار العلويين وكتب بذلك إلى سائر أنحاء المملكة. 
.
وأغلب الظن أن المأمون حينما جعل عليا الرضا خليفة من بعده واتخذ رايات العلويين الخضر شعارا بدلا من رايات العباسيين السود انما كان مدفوعا في ذلك بشعور ديني وسياسي يرمي إلى كسب رضاء العلويين والخراسانيين على السواء، إلا أنه يبدو مع ذلك أن المأمون لم يكن مخلصا تماما في تحويل الخلافة إلى العلويين بدليل أنه تراجع عن كل هذه الاجراءات حينما دعت الضرورة إلى ذلك. 
.
ويروي المؤرخون العراقيون أن العراقيين حينما بلغهم الخبر هاجوا وثاروا ورفضوا مبايعة علي الرضا وقالوا لا تخرج الخلافة من ولد العباس وخلعوا المأمون وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي خليفة عليهم ولقبوه بلقب المبارك. وتضيف الرواية إلى أن أخبار هذه الفتنة في العراق لم تصل إلى المأمون وأن الفضل ابن سهل كان يتعمد اخفاءها عنه، وأن القائد هرثمة بن أعين حاول أن يصل إلى المأمون بمرو ليطللعه على حقيقة الأحوال بالعراق ولكن الفضل بن سهل دبر له من قتله. والشخص الوحيد الذي تجرأ على اخبار المأمون بأخبار هذه الفتن هو علي الرضا ولي عهده، عندئذ انتبه المأمون للخطر المحدق به وخرج من مرو إلى مدينة طوس ليستمد القوة بالصلاة على ضريح والده هارون الرشيد وفي خلال الطريق قتل وزيره الفضل بن سهل وهو في الحمام بمدينة سرخس وحينما بلغ مدينة طوس توفي صهره علي الرضا مسموما، وهناك في طوس دفن علي الرضا في جوار الرشيد - ولم تلبث أن قامت حول مقامه مدينة جديدة وهي مدينة مشهد التي حلت محل مدينة طوس القديمة وهي تعتبر اليوم من أهم الأماكن الشيعية المقدسة بعد كربلاء. 
.
قرر المأمون بعد ذلك العودة إلى بغداد بعد أن زالت الأسباب التي دعت إلى غضب أهلها فوصلها سنة 204 هـ حيث أقبل الناس على مبايعته والترحيب به، وعفا المأمون عن عمه إبراهيم بن المهدي ثم عزل الحسن بن سهل من ولاية العراق بعد مدة قصيرة وأمر الناس بلبس السواد مرة ثانية وبذلك قطع صلته بابن سهل، وبالرغم من تخلص المأمون من بني سهل إلا أنه اعتمد على أسرة فارسية أخرى وهي أسرة طاهر بن الحسين الذي ولاه المأمون على خراسان سنة 205 هـ واستمر الحكم في أبنائه من بعده فقامت بذلك في خراسان أول إمارة شبه مستقلة عن الدولة العباسية وهي الدولة الطاهرية.
.
فتح جزيرة صقلية
قال احمد مختار العبادي في كتاب (التاريخ العباسي والاندلسي): في سنة 212 ه الموافق 827م أمر زيادة الله والي افريقية بغزوها واسند قيادة الحملة إلى قاضي القيروان أسد بن الفرات بن سنان، وكان الجيش الفاتح يتكون من عشرة آلاف فارس معظمهم من الفرس الخرسانيين والبقية من الأفارقة والأندلسيين المقيمين في أفريقية، وأبحروا من ميناء سوسة في أسطول من مائة مركب إلى جنوب جزيرة صقلية, حيث نزلوا في مدينة مازرة وغيرها من النواحي المواجهة للساحل التونسي جنوبا ودارت معركة شديدة بين الجيش الإسلامي والبيزنطي انتهت بانتصار الجيش الإسلامي واستشهد أسد بن الفرات بعد أن وطد الحكم الإسلامي في بعض نواحيها، وكتب زيادة الله إلى الخليفة المأمون يبشره بفتح صقلية.
.
الثورات التي قامت ضد المأمون
ثورة مصر
ضعفت السلطة المركزية في بغداد نتيجة الفتن والحروب التي تخللت عصر الأمين وأوائل عصر المأمون الأمر الذي أدي إلي قيام بعض الثورات كان أخطرها جميعا ثورة مصر، ذلك أن الأحوال في مصر كانت مضطربة ففريق كان يؤيد الأمين وفريق آخر كان يؤيد المأمون وفريق ثالث بزعامة السري بن الحكم وأولاده يعمل لحسابه الخاص ويضرب فريقا باخر بغية الاستقلال بمصر، وتصادف في ذلك الوقت أن قامت ثورة في الأندلس ضد أميرها الحكم الأول الأموي وقد عاقبهم الأمير بهدم ديارهم وحرق حيهم ونفيهم من الأندلس فعبر بعضهم إلى المغرب أما البعض الآخر فقد واصلوا سيرهم في البحر شرقا حتى وصلوا شواطىء الإسكندرية فنزلوا في أوائل عصر المأمون وكانت الأحوال في مصر مضطربة وانتهز الأندلسيون المهاجرون فرصة هذه الفتن واستولوا على مدينة الاسكندربة بمعاونة أعراب البحيرة وأسسوا فيها إمارة أندلسية مستقلة عن الخلافة العباسية دامت أكثر من عشر سنوات وعندما استتب الأمر للخليفة المأمون أرسل قائده عبد الله بن طاهر بن الحسين إلى مصر لإعادة الأمور إلى نصابها سنة 828 فأرسل إلى هؤلاء الأندلسيين يهددهم بالحرب ان لم يدخلوا الطاعة فأجابوه إلى طلبه حقنا للدماء ثم اتجهوا في مراكبهم إلى جزيرة كريت وكانت تابعة للدولة البيزنطية فاستولوا عليها وهناك أسسوا قاعدة بحرية إسلامية ضد الدولة البيزنطية. 
.
ثورة أقباط مصر
غير أن الأوضاع بمصر لم تستقر بعد حملة عبد الله بن طاهر بن الحسين بسبب تعسف الولاة وفداحة الجزية وكثرة الأعباء الملقاة على كاهل المصريين، ففي سنة 216 هـ قام الأقباط بثورة خطيرة عمت الساحل المصري كله واستمرت الثورة ثمانية أشهر حتى اضطر الخليفة المأمون وكان في الشام وقتئذ أن يذهب إلى مصر بنفسه لتهدئة الحالة، وغضب الخليفة على والي مصر وقتئذ وأنبه بقوله " لم يكن هذا الحدث العظيم الا عن فعلك وفعل عمالك حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتوني الخبر حتى تفاقم الأمر واضطربت البلاد" ثم أمر بعزله، وحاول المأمون في بادىء الأمر أخذ الثوار باللين فوسط بينه وبين أسقف عرف باسم دنيس ولكن الوساطة لم تأت بالنتيجة المرجوة، فاضطر إلى استعمال الشدة والعنف لإخماد تلك الثورة. 
.
كذلك قامت القبائل والعشائر العربية في الشام والجزيرة بثورات مختلفة بقيادة زعيم عربي اسمه نصر بن شبث وكانت هذه الثورات موجهة ضد النفوذ الفارسي لميل المأمون إلى جانب الخراسانيين، وقد استطاع القائد عبد الله بن طاهر بن الحسين تهدئة القبائل الثائرة بالحزم والشدة تارة، وبالاستصلاح تارة أخرى إذ رفع عنهم الكثير من الضرائب. 
.
ظهور فرقة الباطنية أو الخرمية
وفي سنة 201هـ ظهرت فرقة باطنية اسمها الخرَّمية يدينون بما يريدون ويشتهون، وإنما لقبوا بذلك لإباحتهم المحرمات من الخمر وسائر الملذات ونكاح ذوات المحارم، وداعيها بابك الخرمي كان يخيف السبل ويعيث في الأرض فسادًا وقد انتصر بابك على جيوش المأمون في بعض المواقع، حتى أرسل إليه المأمون عام 218هـ إسحاق بن إبراهيم، غير أن المأمون قد توفي، ولم يعلم بالنصر الذي أحرزه على الخرمية، إلا أن أمرهم بقي قويًا حتى قُضى على فرقته سنة 223هـ في عهد المعتصم.
.
العلاقة مع الدولة الرومانية المقدسة
قال احمد مختار العبادي في كتاب (التاريخ العباسي والاندلسي): كانت سياسة المأمون نحو الإمبراطورية الرومانية المقدسة استمرارا لسياسة والده الرشيد التي تقوم على مصادقة هذه الدولة الأوروبية الغربية، وعلى الرغم من أن وفاة شارلمان حدثت في العام التالي من خلافة المأمون سنة 814م إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار سياسة التفاهم مع ولده لويس التقي, إذ تشير المصادر الأوروبية إلى أن الإمبراطور لويس أرسل سفارة إلى البلاط العباسي في بغداد في عهد المأمون سنة 831 م.
.
العلاقة مع الدولة البيزنطية
كانت الدولة البيزنطية ضعيفة في عهد المأمون واكبر دليل على ذلك هو عدم قيام الدولة البيزنطية باستغلال فتنة الامين والمأمون وبقاء الحدود آمنة, وكان الروم يسعون للتقرب اليه و وفي سنة 218ه قام المأمون ببناء مدينة عسكرية تدعى طوانة، وحشد لها الصناع ، وبناها ميلا في ميل ، وهي وراء "طرسوس" ، وقام بفتح عدة حصون بيزنطية.
.
النهضة العلمية في عهد المأمون
بدأت حركة النهضة العلمية بعد عودة المأمون الى بغداد, وكان المركز والمحرك لهذه النهضة هي مكتبة بيت الحكمة, حيث ان المأمون سلك مسلكين في تطويرهذه المكتبة:
الاول: ترجمة كتب الحضارات السابقة حيث حظي المترجمون بالرعاية والتشجيع، فكانوا يقومون بعملهم في جماعات منظمة.
الثاني: تحويل هذه المكتبة الى جامعة.
.
قال عبد المنعم الهاشمي في كتاب (الخلافة العباسية): تفرد عهد المأمون بتشجيع مطلق للعلوم من فلسفة وطب ورياضيات وفلك واهتمام خاص بعلوم اليونان، وقد قام الخليفة المأمون في عام 830م بتطوير مكتبة بيت الحكمة في بغداد, وتحويلها الى جامعة بيت الحكمة, وقد تكون عمليات الترجمة التي رعاها هو وحاشيته وولاته، أبرز سمات عهده، إذ نقلت خلالها العلوم والآداب السريانية والفارسية واليونانية الى العربية.
.
دراسة الفلك في عهد المأمون
قال جوناثان ليونز في كتاب ( بيت الحكمة، كيف أسس العرب لحضارة الغرب): أصدر المأمون برنامجا منهجيا للدراسات الفلكية في أول المراصد الفلكية التخصصية المقامة ببغداد ودمشق، وأرسل أول بعثة موسعة مكرسة لاجراء التجارب العلمية، وكشفت هذه المساعي عن طريقة العلماء العرب في فهم المتون الكلاسيكية واستيعابها لا كغاية بحد ذاتها، بل كنقطة انطلاق لاجراء أبحاثهم ودراساتهم الخاصة وكانت هذه المشروعات بداية السيرة المهنية لبعض من أهم العلماء والمفكرين الأوائل في الإسلام. وقد اهتم المأمون اهتماما عميقا لعمل العلماء ببيت الحكمة فكان يتردد إليه بانتظام للتباحث مباشرة مع الخبراء والمستشارين في آخر ما انتهت إليه البحوث وفي مسائل التمويل وسوى ذلك من مسائل ذات صلة وشدد على الاستزادة من دراسة الرياضيات وعلم الفلك من عمل.
.
المأمون وزواج المتعة
أراد المأمون أن يعلن يومًا حل زواج المتعة وهو شيء نهى عنه عمر بن الخطاب، فدخل عليه وزيره القاضي يحيى بن أكثم وكان من جُلَّة العلماء الفقهاء، وكان قد تولى قضاء البصرة وعمره عشرين سنة , وهو متغير، فسأله المأمون عن سبب تغيره، فقال: غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام من نداء بتحليل الزنا. قال: الزنا.
قال: نعم، المتعة زنا، قال: من أين؟ قال: من كتاب الله وحديث رسول الله ، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5-7]. يا أمير المؤمنين، زوجة المتعة ملك يمين؟ قال: لا. قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد لها شرائطها؟ قال: لا.
قال: فقد صار من يتجاوز هذين من العادين، وهذا الزهري، يا أمير المؤمنين، روى عن عبد الله والحسن بن محمد بن الحنفية عن أبيهما على بن أبي طالب قال: "أمرني رسول الله أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان قد أمر بها". فسأل المأمون عن حديث الزهري أهو محفوظ، فعلم أنه رواه مالك، فقال المأمون: أستغفر الله. وأمر فنودي بتحريم المتعة.
.
نشئة علم الكلام في زمن المأمون وأزمة خلق القرآن
نشأ علم الكلام في زمن المأمون وترعرع، وعلم الكلام علم يبحث في أصول الدين والعقائد ويعتمد على العقل، وظهرت المعتزلة وشيخهم إبراهيم بن سيار , ونتيجة لذلك ظهر خلاف بين أهل السنة والجماعة الذين يعتمدون في علوم العقائد على النقل، وبين المعتزلة الذين يقدمون العقل على النقل ومنها المسألة المشهورة: هل القرآن كلام الله القديم أم هو مخلوق؟ , وهي مسألة على بساطتها لكنها تسببت في ابتلاء كثير من العلماء على يد المأمون، ومن بعده على يد المعتصم، لاعتناقهما المذهب الذي يقول: إن القرآن مخلوق خلافًا لأهل السنة والجماعة.
كان أصحاب المذاهب المخالفة لما عليه عامة الناس لا يستطيعون أن يظهروا آراءهم خوفًا من العامة، فلما جاء المأمون أفسح المجال للمتخالفين أن يتناظروا، فكان يجمع إليه العلماء من المتكلمين والفقهاء وأهل الحديث، ويجعل لهم مجالس مناظرة، وكان يهدف إلى أن يتفق هؤلاء العلماء على رأي فيما يعرض لهم من المسائل ليحمل الجمهور على ذلك الرأي، وتتفق كلمة الأمة خاصة فيما يتعلق بمباحث أصول الدين ومباحث الإمامة.
.
ويُروى أنه تناظر في حضرته اثنان من أهل التشيع، أحدهما من الإمامية والآخر من الزيدية، وجرى الكلام بينهما إلى أن قال أحدهما للأخر: يا نبطي ما أنت والكلام، فقال المأمون: الشتم عمى والبذاءة لؤم، إنا قد أبحنا الكلام وأظهرنا المقالات، فمن قال بالحق حمدناه، ومن جهل ذلك وقفناه، فاجعلا بينكما أصلاً، فان الكلام فروع فإذا افترعتم شيئًا رجعتم إلى الأصول. 
.
وهذه القصة توضح لنا أن المأمون أباح المناظرات بحرية مطلقة فهذان الرجلان من أهل التشيع، كلاهما على مذهب إن صح أحدهما فهو كفيل أن يذهب بملك آل العباس، ومع ذلك ترك حرية القول.
.
إيجابيات وسلبيات هذه الحرية في الحوار والتناظر بين العلماء بشتى مذاهبهم:
1- كان من إيجابيتها ثراء العلوم الدينية من خلال الحوار والمناظرة خاصة في الجانب الفقهي الذي يتعلق بالأحكام العملية، فكانت ثروة للأمة.
.
2- نشوء علم الكلام في حد ذاته لإثبات العقائد بالعقل والمنطق كان مناسبًا لمخاطبة الداخلين في الإسلام من الفرس، الذين يتحاجون بهذه الطرق، فمخاطبتهم بطريقتهم شيء مؤثر لاشك في ذلك.
.
3- ولكن اعتماد العقل وحده في إثبات العقائد يؤدي إلى انحراف، لأن العقل محدود والعقائد تتعرض للغيبيات، والحجة فيها للنص الصحيح من القرآن أو السنة.. فحدث انحراف في مسائل كثيرة تمذهب بها فرق وأدت إلى تفرق بعض أجزاء الأمة.
.
محنة خلق القرآن
من هذه المسائل القول بخلق القرآن، ومن طول المناظرات اقتنع المأمون تمامًا بالقول بخلق القرآن مخالفًا بذلك جمهور علماء أهل السنة والجماعة، وكان يظن أنه حين يظهر رأيه للعلماء أنهم سيجيبونه إلى رضاهم بمذهبه، ولكن النتيجة كانت عكس ذلك، فتكلموا فيه واتهموه بالابتداع وغلا بعضهم في ذلك فقال بكفر من رأى خلق القرآن، وكان ذلك سنة 212هـ.
.
وما زال الخلاف يتسع حتى كانت سنة 218هـ فرأى المأمون أن يستعين بسلطانه في إلزام الفقهاء برأيه، وهو غير محق في ذلك، وكان في هذه السنة غازيًا في بلاد الروم، فبعث إلى عامله في بغداد إسحاق بن إبراهيم أن يجمع الفقهاء، ويمتحنهم في آرائهم في هذه المسألة، فجمع إسحاق نحو ثلاثين رجلاً من العلماء فكان مما دار بينه وبينهم: قال لبشر بن الوليد: ما تقول في القرآن؟ قال: أقول القرآن كلام الله.
قال: أسألك عن هذا أمخلوق هو؟ قال: الله خالق كل شيء. قال: أما القرآن شيء؟ قال: هو شيء، قال: فمخلوق هو؟ قال: ليس بخالق، قال: ليس أسألك عن هذا أمخلوق هو؟ قال: ما أحسن غير ما قلت لك، وقد استعهدت أمير المؤمنين ألا أتكلم فيه وليس عندي غير ما قلت، فبعث إسحاق بإجابات العلماء عالمًا عالمًا فاغتاظ المأمون منها، فأمره أن يأخذهم بالتهديد ففعل إسحاق فأجابوه جميعًا أن القرآن مخلوق، إلا أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح.
.
يروي ابن كثير: "لما انتهت النوبة إلى امتحان أحمد بن حنبل قال له إسحاق: أتقول إن القرآن مخلوق؟ فقال: القرآن كلام الله لا أزيد على هذا" إلى أن قال: "وكان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرهًا لأنهم كانوا يعزلون من لا يجيب عن وظائفه، وإن كان له رزق من بيت المال قُطع، وإن كان شيخ حديث روع عن الإسماع والأداء، ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهياء فلا حول ولا قوة إلا بالله". فوجه بهما إسحاق إلى طرسوس حيث يغزو المأمون الروم.
.
وإن من مفاخر التاريخ أن جميع الذين تهاونوا مع المأمون في مسألة خلق القرآن، أهمل المحدثون أمرهم وأنزلوا رتبهم وعدُّوا ذلك عيبًا من عيوبهم، لأن العالم الذي لا يتحمل الأذى أو الجود بالنفس في سبيل اعتقاده لا يُعَدُ عالمًا.. ومن ثم رأينا الذين ثبتوا في المحنة مثل الإمام أحمد بن حنبل نالوا من التكريم والعناية والفضل ما لا مزيد عليه وزادته المحنة تشريفًا وذكرًا في التاريخ.
.
يري فريق من العلماء أن وجهة نظر المأمون تبدو صائبة في تعليله محاولة توحيد القوم على رأي واحد فيما اختلف فيه من المسائل، وقد كبر الخلاف في مسألة من أهون المسائل وأيسرها حلاًّ، ولكنه كان يقول: "إن أصغر المسائل متى كان أساسًا لنحلة أو سببًا لرياسة، فإن الخلاف يعظم بسببه، أما أعضل الأمور فإن الخلاف الشديد لا يجد إليه سبيلاً إذا لم يكن أساسًا لنحلة، أو سببًا لرياسة" , ويري فريق آخر أن توحيد الآراء في الأمور الفرعية، وفيما يحتمل وجوهًا عدة هو ضرب من المستحيل، وهو مخالف لسنن الله، وقد كان أكابر العلماء لا يمتعضون من الخلاف في الفروع، ولا يرون حمل الأمة على رأي واحد، بل كانوا يقولون: من لم يعرف الخلاف لم يشم رائحة الفقه. أي من لم يعرف الآراء المتعددة في المسألة ووجهة نظر أصحابها لم يكن واسع الأفق أو الفقه.
.
إختلف العلماء حول الإعتقاد المذهبي للمأمون فبينما اتهم البعض المأمون بانه كان شيعيا وعدد آخر أتهمه بأنه كان من المعتزلة وقد ذكر اللالكائي في كتاب (اعتقاد أهل السنة): أخبرنا عبيد الله بن حمد بن علي عن أبي سعيد علي بن الحسن القصري قال سمعت أبا الهذيل يقول قال المأمون لحاجبه يوما انظر من بالباب , أأصحاب الكلام ؟ فخرج وعاد إليه فقال بالباب أبو الهذيل العلاف وهو معتزلي وعبد الله ابن أباض الأباضي وهشام بن الكلبي الرافضي (الشيعي) فقال المأمون ما بقي من أعلام جهنم أحد إلا وقد حضر, بينما قال عنه إبن كثير "كان فيه تشيع وإعتزال وجهل بالسنة الصحيحة , وربما تقوّل إبن كثير بهذا الكلام علي خلفية ما سمعه عن قول المأمون بأفضلية علي بن أبي طالب علي سائر الخلفاء الراشدين 
.
يري المؤرخون أنه كان يمكن للمأمون أن يكون من خيار الخلفاء، لولا هذه السقطة بقوله أن القرآن مخلوق.
.
وفاته
توفي المأمون غازيا في يوم الخميس 18 رجب 218هـ الموافق 10/8/833م بعد إصابته بحمى لم تمهله كثيرا في مدينة بدندون – مدينة ذنتي التركية اليوم - قرب طرطوس, وكان عمره 47 سنة, وقبل وفاته استبعد ابنه والي الجزيرة العباس بن المأمون واوصى بالخلافة لأخيه والي الشام و مصر والمغرب محمد المعتصم, وقام ابنه العباس بنقل جسد المأمون وقام بدفنه في مدينة طرسوس في دار خاقان خادم المأمون , وتولى الخلافة بعده أخوه أبو اسحق محمد المعتصم بالله.
.
المراجع
(سير اعلام النبلاء) لأبي عبد الله شمس الدين الذهبي
(التاريخ العباسي والاندلسي) لأحمد مختار العبادي ص113 و114
جوناثان ليونز في كتاب ( بيت الحكمة، كيف أسس العرب لحضارة الغرب) ص 118 و103 و120 و121
الدولة العباسية، تكامل البناء الحضاري، عيسى الحسن ص192 و193 و196 و189
اللالكائي في كتاب (اعتقاد أهل السنة)
البداية والنهاية لإبن كثير 
تاريخ الخلفاء للسيوطي
....