//-->
سوف أقوم بشرح تفصيلي عن استشهاد الحسين رضي الله عنه أحد سادة شباب أهل الجنة (راجياً قرائتها بتأني شديد قبل الرد عليها) فكما قال المصطفى عليه السلام: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
الحسين بن علي الشهيد السعيد الإمام ابن الإمام أبو عبد الله سيد شباب أهل الجنة مع أخيه رضي الله عنهما.
فمن هنا نذكر كمقدمة للموضوع بعض فضائل أهل البيت رضوان الله عليهم وصلواته :
فمن هنا نذكر كمقدمة للموضوع بعض فضائل أهل البيت رضوان الله عليهم وصلواته :
أولا: نستطيع أن نقسم فضائل أهل البيت النبي صلى الله عليه وسلم إلى قسمين:
فضائل عامة، وفضائل خاصة
أما الفضائل العامة فمنها حديث زيد وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي. وهذا عام في كل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
ومن الفضائل ما جاء في آية النساء (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وذلك أن نساء النبي من آل البيت كما قدمنا، ودخل علي وفاطمة والحسن والحسين في هذا الفضل بحديث الكساء.
وكذلك حديث الصلاة عليهم في التشهد نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العماليي إنك حميد مجيد. وهذا لفضلهم ومكانتهم عند الله تبارك وتعالى
الفضائل الخاصة :
ـ فرأسهم وسيدهم وأفضلهم علي بن أبي طالب رضي الله وتبارك وتعالى عنه وشهرته أكبر وأظهر من أن ننبه عليها ويكفيه فخرًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. متفق عليه
ـ العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم له: عم الرجل صنو أبيه. أي بمكانة أبيه. أخرجه الترمذي
ـ أزواجه وفيهن قول الله تبارك وتعالى (وأزواجه أمهاتهم). أي أمهات المؤمنين.
ـ فاطمة رضي الله عنها وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها: فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها. متفق عليه
ـ الحسن والحسين وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " . أخرجه الترمذي وهو حديث صحيح.
ـ عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له: اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين. رواه أحمد بإسناد صحيح.
ـ المهدي وقول النبي صلى الله عليه وسلم : المهدي من عترتي من ولد فاطمة، وهذا رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
فهذه بعض فضائلهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
موقف السلف من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم :
أما موقف السلف الصالح، من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين من آل بيت النبي –صلى الله عليه وآله وسلم– وتعظيمهم لهم وتوقيرهم إياهم، فمن أمثلة ذلك:
ـ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ارقبوا محمدًا في أهل بيته. رواه البخاري في صحيحه .
وقال رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ من أن أصل من قرابتي. أخرجه البخاري كذلك في صحيحه .
ـ وقال الشعبي: صلى زيد بن أرقم على جنازة أمه ثم قربت إليه بغلة ليركبها، فجاء عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأخذ بركابه –أي يمسك ركاب البغلة لزيد بن ثابت رضي الله عنه، فقال له زيد: خلِّ عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عبد الله بن عباس: هكذا نفعل بعلمائنا، فنزل زيد من على بغلته وقبل يد عبد الله بن العباس، وقال هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـ عن شريك بن عبد الله وهو من أتباع التابعين قال: لو جاءني أبو بكر وعمر وعلي وسألني كل حاجته لقدمت حاجة علي لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر أفضل من علي عند الله، ولكن قرابة علي من النبي صلى الله عليه وسلم توجب تقديم حاجته على حاجة غيره.
ـ وهذا مالك بن أنس إمام دار الهجرة لما آذاه أبو جعفر المنصور وضربه، قيل له: ألا تدعو عليه. فقال: والله إني لأستحيي أن آتى يوم القيامة فيُعذَّب به هذا الرجل من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم بسببي، فتركه لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم
ـ وذكر أن هارون الرشيد جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فجاء هارون الرشيد عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يفتخر على الناس، فقال السلام عليك يا ابن عم. لأنه من نسل العباس بن عبد المطلب. فجاء موسى بن جعفر فقال السلام عليك يا أبت. فالتفت إليه هارون الرشيد وقال: هذا والله الفخر.
فهذه هي بعض مكانة آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بشكل عام عند أهل السنة والجماعة.
واسمحوا لي في ذكر المصاهرات بين آل البيت وبين الصحابة التي يحرّم البعض من الشيعة مصاهرة أهل السنة :
أولهم رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم :
تزوج عائشة بنت أبي بكر الصديق، وهي من تيم.
وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، وهي من بني عدي.
وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وهي من بني أمية.
وزوَّج ابنته رقية من عثمان بن عفان، وهو من بني أمية.
فلما توفيت زوجه أختها أم كلثوم.
وزوج ابنته زينب للعاص بن الربيع وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف.
وعلي بن أبي طالب زوج ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب.الكافي5/346
وتزوج علي أرملة أبي بكر الصديق أسماء بنت عميس. سير أعلام النبلاء
وتزوج علي أيضًا أمامة بنت العاص بن الربيع، بعد أن توفيت خالتها فاطمة.
ومحمد بن علي بن الحسين { الباقر } تزوج أم فروة بنت القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، وكان جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الصادق يقول: ولدني أبو بكر مرتين، سير أعلام النبلاء6/255
وأمه أم فروه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وجدته أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
وأبان بن عثمان بن عفان تزوج أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. الشيعة وأهل البيت141.
وسكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام. طبقات ابن سعد5/183. وغير هذا كثير.
تسمية الأولاد:
لعلى بن أبي طالب من الأولاد: أبو بكر وعمر وعثمان. كشف الغمة في معرفة الأئمة 2/67.
وللحسن بن علي من الأولاد: أبو بكر. كشف الغمة2/198.
ولعلي بن الحسن من الأولاد: عمر. كشف الغمة 2/302.
ولموسى بن جعفر من الأولاد: عمر وعائشة. كشف الغمة3/29.
والبقية تتبع فيما يتعلق في استشهاد الحسين رضين الله تعالى عنه وأرضاه ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد :-
إن يوم عاشوراء يمثل للرافضة يوم ليس كسائر الأيام .. إنه يوم مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه .. لذا يتخذونه مأتماً يفعلون فيه كل أصناف البدع والمنكرات .. وكل أمور الجاهلية .. وبما أن الصورة الحقيقة لمقتل الحسين رضي الله عنه لم تتضح بعد لدى كثير ممن يسمع عنها ..كما وأن الدكتور طارق سويدان حفظه الله تناول هذه الحادثة في سلسلته قصص من التاريخ، لكنه تناولها بصورة مشوهة وكان جل اعتماده على روايات أبي مخنف الكذاب .. لذا فإني أحببت أن أعيد هذه المقالة التي كتبتها منذ فترة طويلة؛ لكن مع إضافات كثيرة وتفصيل أكثر وتحليل للحقائق لعل الله يشرح بها الصدور لقبول الحق .. وأعتذر مقدماً على طول المقالة .
تمثل معارضة الحسين بن علي ليزيد بن معاوية نقطة تحول خطيرة في تاريخ المسلمين، وقد جرت هذه الحادثة من التبعات والانقسامات الشيء الكثير، وكان خطر هذه الحادثة لا يقتصر على تأثيرها المباشر على المجتمع المسلم في ذلك الوقت فقط، بل يتعداه إلى أبعد من ذلك حتى يومنا هذا، حيث يمثل نقطة خطيرة لانحراف طائفة ترى محبته وموالاته فقط، وتكفير الأمة بسببه، ومن ثم تتخذ من هذه الحادثة مادة لتأجيج المشاعر ضد أهل السنة بأجمعهم، وكأنهم هم السبب الحقيقي لمأساته رضوان الله عليه.
لقد كان موقف الحسين من بيعة يزيد بن معاوية هو موقف المعارض، وقد شاركه في هذه المعارضة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، غير أنهما لم يبديا أسباباً واضحة لممانعتهما بالبيعة، أقصد بذلك : أنهما لم يتهما يزيد في سلوكه، ولم يأتيا بأمور واضحة تطعن في تأهله للخلافة، فيبقى السبب الرئيسي، وهو إرادة الشورى -، في حين أن ابن عمر وضح السبب، وهو أن هذه الطريقة في أخذ البيعة لا تشابه طريقة بيعة الخلفاء الراشدين، تاريخ أبي زرعة (1/229) وتاريخ خليفة (ص 214) بإسناد صحيح . وبالفعل أرسل ابن عمر البيعة مباشرة عندما توفي معاوية رضي الله عنه.
وإن تلك الممانعة الشديدة من قبل الحسين بن علي، هي أنه أحق بالخلافة من غيره، وكان يرى أن الخلافة صائرة إليه بعد وفاة معاوية، وكان مؤدى هذا الشعور تلك المكانة التي يتبوأها الحسين في قلوب المسلمين، ثم اطمئنانه بالقاعدة العريضة من المؤيدين له في الكوفة وغيرها، فليس من الغريب أن يقف الحسين في وجه بيعة يزيد ويرفضها رفضاً شديداً وبكل قوة، ولهذا قال الذهبي في السير (3/291) : ولما بايع معاوية ليزيد تألم الحسين .
بعد أن توفي معاوية رضي الله عنه وبويع ليزيد بالخلافة في الشام،
كتب يزيد إلى والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أن يدعو الناس للبيعة وأن يبدأ بوجوه قريش . انظر: ابن سعد في الطبقات (5/359) بإسناد جمعي، وتاريخ خليفة ( ص 232) بإسناد فيه محمد بن الزبير الحنظلي، وهو متروك .
استشار الوليد بن عتبة مروان بن الحكم فأشار عليه بأن يبعث في طلب الحسين وابن الزبير للبيعة، فيروي خليفة في تاريخه (ص 233) : أن ابن الزبير حضر عند الوليد ورفض البيعة واعتذر بأن وضعه الاجتماعي يحتم عليه مبايعته علانية أمام الناس، وطلب منه أن يكون ذلك من الغد في المسجد إن شاء الله . واستدعى الحسين بعد ذلك ويبدوا أن الوليد تحاشى أن يناقش معه موضوع البيعة ليزيد، فغادر الحسين مجلس الوليد من ساعته، فلما جنّ الليل خرج ابن الزبير والحسين متجهين إلى مكة كل منها على حدة . ورواية خليفة هي الأقرب في نظري إلى الحقيقة، فإضافة إلى تسلسل الحدث فيها، فإن الرواية نفسها عن جويرية بن أسماء وهو مدني .
في طريق مكة التقى الحسين وابن الزبير بابن عمر وبعبد الله بن عياش، وهما منصرفين من العمرة قادمين إلى المدينة، فقال لهما ابن عمر : أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس وتنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان . ابن سعد في الطبقات (5/360) والمزي في تهذيب الكمال (6/416) من طريق ابن سعد، والطبري (5/343) لكنه ذكر أن الذي لقيهما ابن عمر وابن عباس، ولعله تحريف في اسم عياش، والصحيح أن ابن عباس كان موجوداً بمكة حينذاك .
فلما علمت شيعة الكوفة بموت معاوية وخروج الحسين إلى مكة ورفض البيعة ليزيد، فاجتمع أمرهم على نصرته، ثم كتبوا إليه، وبعد توافد الكتب على الحسين وهو بمكة وجميعها تؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، نستطيع أن نقول : إن الحسين لم يفكر بالخروج إلى الكوفة إلا عندما جاءته الرسل من الكوفيين يدعونه بالخروج إليهم، وأنهم يدعونه مرحبين به طائعين، فأراد الحسين أن يتأكد من صحة هذه الأقوال، فأرسل مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه لينظر في أمر أهل الكوفة ويقف على الحقائق بنفسه . انظر : تاريخ الطبري (5/354 ) والبلاذري في أنساب الأشارف (3/159) .
ذهب مسلم بن عقيل إلى الكوفة، ووقف على ما يحدث هناك وكتب إلى الحسين يدعوه إلى الخروج إلى الكوفة وأن الأمر مهيأ لقدومه .
وقد تتابعت النصائح من الصحابة والتابعين تنهى الحسين عن الخروج إلى الكوفة، ومن الذين نصحوا : محمد بن الحنفية أخوه -، وابن عباس، وابن عمر وابن الزبير وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله، وغيرهم الكثير، ينهونه عن القدوم إلى الكوفة، غير أن هذه النصائح الغالية الثمينة لم تؤثر في موقف الحسين حيال خروجه إلى الكوفة، بل عقد العزم على الخروج، فأرسل إلى المدينة وقدم عليه من خفّ من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبياناً من اخوته وبناته ونسائه، فتبعهم محمد بن الحنفية وأدرك الحسين قبل الخروج من مكة فحاول مرة أخرى أن يثني الحسين عن خروجه لكنه لم يستطع . انظر: ابن سعد في الطبقات (5/266-267) .
وجاء ابن عباس ونصحه فأبى إلا الخروج إلى الكوفة، فقال له ابن عباس: لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال أي الحسين -: لإن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أستحل حرمتها، يعني الكعبة، فقال ابن عباس فيما بعد: وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه . وكان ابن عباس من أشد الناس تعظيماً للحرم. انظر: مصنف ابن أبي شيبة (5/96-97) بإسناد صحيح، والطبراني في المعجم الكبير (9/193) وقال الهيثمي في المجمع (9/192) ورجاله رجال الصحيح، والذهبي في السير (2/292) وغيرهم الكثير .
إني لأندم أشد الندم على يوم ينقص فيه عمري ولا يزيد فيه عملي ..
إبن مسعود رضي الله تعالى عنه
إن حقيقة الأمر في موقف ابن الزبير رضي الله عنه مثل باقي كبار الصحابة الذين نصحوا الحسين بعدم الخروج، والحجة في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن قال: لقي عبد الله بن الزبير الحسين بن علي بمكة فقال: يا أبا عبد الله بلغني أنك تريد العراق، قال: أجل، فلا تفعل، فإنهم قتلة أبيك، الطاعنين بطن أخيك، وإن أتيتهم قتلوك . المصنف (7/477) .
ولما علم ابن عمر بخروج الحسين أدركه على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال للحسين أين وجهتك؟ فقال: أريد العراق، ثم أخرج إليه كتب القوم، ثم قال: هذه بيعتهم وكتبهم، فناشده الله أن يرجع، فأبى الحسين، ثم قال ابن عمر: أحدثك بحديث ما حدثت به أحداً قبلك: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته، ما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم، فارجع أنت تعرف غدر أهل العراق وما كان يلقى أبوك منهم، فأبى، فاعتنقه وقال : استودعتك من قتيل . ابن سعد في الطبقات (5/360) وابن حبان (9/58) وكشف الأستار (3/232-233) بسند رجاله ثقات . وعند غيرهم .
لكن هذه النصائح والتحذيرات لم تثن الحسين عن إرادته وعزمه على الخروج نحو الكوفة .
وهنا يبرز سؤال ملح : وهو كيف يجمع عدد من الصحابة وكبراؤهم وكبار التابعين وأصحاب العقل منهم، ومن له قرابة بالحسين على رأي واحد وهو الخوف على الحسين من الخروج وأن النتيجة معروفة سلفاً، وفي المقابل كيف يصر الحسين على رأيه وترك نصائح الصحابة وكبار التابعين؟
والإجابة على هذا السؤال تكمن في سببين اثنين :-
الأول : وهو إرادة الله جل وعلا وأن ما قدره سيكون وإن أجمع الناس كلهم على رده فسينفذه الله لا راد لحكمه ولا لقضائه سبحانه وتعالى .
الثاني : وهو السبب الواقعي الذي تسبب في وجود الأمر الأول، وهو أن الحسين رضي الله عنه أدرك أن يزيد بن معاوية لن يرضى بأن تكون له حرية التصرف والبقاء بدون حمله بالقوة على البيعة، ولن يسمح يزيد بأكثر مما حدث، فرسل تأتي ورسل تذهب ودعوة عريضة له بالكوفة، كل هذا يجعل الحسين يدرك أن موقفه في مكة يزداد حرجاً، وهو يمانع البيعة للخليفة دون أن يكون هناك ما يبرر موقفه بشكل واضح، ثم إن خشية الحسين من وقوع أي مجابهة بينه وبين الأمويين في مكة هو الذي جعله يفكر بالخروج من مكة سريعاً، وهو ما أكده لابن عباس، ولعل الأمر الذي جعله يسارع في الخروج إلى الكوفة هي الصورة المشرقة والمشجعة التي نقلها له ابن عمه لحال الكوفة وأنها كلها مبايعة له .
وفي نظري أن مسلم بن عقيل والحسين رضي الله عنهما لم يكونا يحيطون بكثير من أمور السياسة، فمسلم بن عقيل وثق في تلك الآلاف المبايعة للحسين وظن أن هؤلاء سيكونون مخلصين أوفياء ولم يجعل في حسبانه أن العاطفة هي المسير لتلك الأعداد، فكان على مسلم بن عقيل أن يستثمر الوضع لصالحه وأن يعايش الواقع الفعلي حتى يخرج بتصور صحيح، وأما أن يرسل للحسين منذ الوهلة الأولى ويوهمه بأن الوضع يسير لصالحه، فهذا خطأ كبير وقع فيه مسلم بن عقيل، ثم إن الحسين رضي الله عنه وثق بكلام مسلم بن عقيل وصدق أن الكوفة ستقف معه بمجرد مجيئه إليها، ونسي أن الكوفة هي التي عانى أبوه منها أشد المعاناة من التخاذل والتقاعس وعدم الامتثال لأوامره ثم كانت النهاية باغتياله رضي الله عنه، ثم إن أخاه الحسن واجه الغدر والمكيدة من أهل الكوفة، وكان يحذره منهم حتى على فراش الموت، ثم إن الذين نصحوه يحملون حساً سياسياً واضحاً فالكل حذره وبين خطأه الذي سيقدم عليه، ومن المستحيل أن يكون كل الناصحون على خطأ وأن فرداً واحداً هو على الحق وبالأخص إذا عرفنا من هم الناصحون، لكنه قدر الله، وحدث ما حدث وقتل الحسين في معركة كربلاء .
أما عن صفة مقتله رضي الله عنه : نقول : ذلك الفتق الذي لا يرتق والثلمة التي لم تسد والصدع الذي لم يرأب، إنه جرح الأمة الإسلامية في فلذة كبدها والتي لا تزال تتألم من المرارة والحسرة منه، إنه مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في لحظة من أحرج اللحظات وأصعبها على أمة الإسلام والمسلمين .
قال الطبري (5/343): إن ابن الزبير والحسين لما دعيا إلى البيعة ليزيد أبيا وخرجا من ليلتهما إلى مكة، فلقيهما ابن عياش وابن عمر جائيين من مكة فسألاهما ما وراءكما؟ قالا: موت معاوية والبيعة ليزيد، فقال لهما ابن عمر: اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين . أما ابن عمر فقدم المدينة فأقام أياماً فانتظر حتى جائت البيعة من البلدان فتقدم وبايع .
وعندما قرر الحسين رضي الله عنه الذهاب إلى العراق، بعد أن كثرت عليه المراسلات وهو في مكة، تدعوه بالخروج إليهم حاول بعض أصحابه منعه من ذلك، أمثال ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهما .
وهنا تجدر الإشارة والرد على مزاعم الإخباريين حول تحريض ابن الزبير للحسين بن علي رضوان الله عنهم أجمعين على الخروج على يزيد بن معاوية. وأن ابن الزبير ضاق من وجود الحسين بمكة، وأنه كان يطمع بالخلافة، وأن يخلو له الجو كما يقولون، وأن تخلو له الساحة والميدان .
وحقيقة الأمر أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان من جملة الصحابة والتابعين الذين نصحوا الحسين رضي الله عنه بعدم الخروج . وقد ذكرت قبل قليل الدليل على ذلك.
فلما ذهب رضي الله عنه وكان قد أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إليهم، وتابعته طائفة، ثم قدم عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، فقاموا مع ابن زياد وتخلوا عن مسلم وقتل رضي الله عنه، فلما بلغ الحسين ذلك، وأراد الرجوع وافته سرية عمر بن سعد وطلبوا منه أن يستأسر لهم، فأبى وطلب أن يردوه إلى يزيد ابن عمه، حتى يضع يده في يده، أو يرجع من حيث جاء أو يلحق بالثغور، فامتنعوا من إجابته إلى ذلك بغياً وظلماً وعدواناً، وكان من أشدهم تحريضاً عليه شمر بن ذي الجوشن حيث لحق بالحسين ووقع القتال بينهم حتى أكرم الله الحسين وعدد من أهل بيته بالشهادة رضي الله عنهم وأرضاهم. من رسالة بعنوان رأس الحسين لشيخ الإسلام (ص 200) ضمن كتاب استشهاد الحسين للإمام الطبري. وهو كتاب مملوء بالروايات الضعيفة والموضوعة .
ولم يختلف المؤرخون بل والناس فيما عرض لهم وعرض عليهم من مسائل التاريخ مثلما اختلفوا في مقتل الحسين رضي الله عنه، من بدايتها حتى نهايتها من الدوافع الأولية إلى الخديعة وخيانة الأعراب .
والنظرة التاريخية الفاحصة بعيداً عن الشطط أو الإغراق أو المغالاة تجعلنا في حيرة و أي حيرة، لأن كل فريق له رأيه وله حجته فيما انتهى إليه، وعلينا أن ندعو لهم ونستغفر الله لنا ولهم .
وفي يقيني أن أمر النزاع بين الحسين ويزيد يجب الإمساك عن الخوض فيه، لأن هذا أفضل من الكلام في ما لا نعلم، وصفوة القول أن الحسين قد أفضى إلى ربه شهيداً مجاهداً، رضي الله عنه وأرضاه وألحقنا بالصالحين في دار المقامة .
وعن هذا الصراع الدموي الأليم العنيف بين الحسين ويزيد نقول: يفصل الله بينهم يوم القيامة، فإننا لا نجرؤ بما توافر لدينا من آراء وأبحاث ومراجع على القول بغير هذا: عفا الله عنا وعنهم .
وعن حياة الإمام الحسين رضي الله عنه قال ابن عبد البر في الاستيعاب: قتل الحسين يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة وعليه جبة خز دكناء، وهو ابن ست وخمسين سنة، قاله نسابة قريش الزبير بن بكار، ومولده لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، وفيها كانت غزوة ذات الرقاع وفيها قصرت الصلاة وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة رضي الله عنه. الاستيعاب (1/393) وانظر التذكرة للقرطبي (2/645) ونسب قريش للزبير بن بكار (ص 24) .
ثم يقول ابن حجر: وقد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين، والصحيح والسقيم، وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: لو كنت فيمن قاتل الحسين ثم دخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . الإصابة (2/81) .
واختلفت الأقوال في يوم قتله، فالبعض قال يوم الجمعة وقيل يوم السبت العاشر من المحرم والأصح الأول. واتفق على أنه قتل يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين، وكذا قال الجمهور، وشذ من قال غير ذلك، وكان يوم الجمعة هو يوم عاشوراء. الإصابة (2/76-81) والعقد الفريد لابن عبد ربه (4/356) وهو يؤيد الإجماع .
وقال الحافظ في الفتح: كان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر، وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج الحسين إليهم، فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس، ثم جهز إليه عسكراً فقاتلوه إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته. فتح الباري (7/120). وتاريخ خليفة (ص 234).
روى الحاكم عن أم الفضل بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا -يعني الحسين- فقلت: هذا؟ فقال نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء. السلسلة الصحيحة (2/464) وهو في صحيح الجامع، رقم (61).
وروى أحمد عن عائشة أو أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد دخل عليّ البيت مَلَكٌ لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. السلسلة الصحيحة (2/465).
وروى أحمد عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، ولم أزل ألتقطه منذ اليوم. فأحصي ذلك الوقت، فوجد قتل ذلك الوقت. مشكاة المصابيح للتبريزي بتحقيق الشيخ الألباني (6172). ومسند أحمد (1/283) والذي يقول فأحصينا .. هو راوي الخبر عن ابن عباس، هو أبو عمر عمار بن أبي عمار مولى بني هشام، صدوق من كبار التابعين (ت 120 هـ )، التقريب (ص 408).
وقد قتل معه كما يروي الحسن البصري ستة عشر رجلاً من آل البيت ما على الأرض يومئذ لهم شبه، فقتل من أولاد علي رضي الله عنه العباس وعبد الله وجعفر وعثمان وأبو بكر، وهؤلاء اخوته لأبيه. هؤلاء جميعهم أبناء علي من أم البنين بنت حرام أم خالد، ما عدا أبو بكر فهو من ليلى بنت مسعود بن خالد. انظر تراجمهم في: تاريخ خليفة (ص 234).
وقتل معه من ولده، عبد الله وعلي . عبد الله أمه أم الرباب، وأما علي فأمه ليلى بنت أبي مرة. انظر: تاريخ خليفة (ص 234) .
ومن ولد أخيه الحسن، القاسم وأبو بكر وعبد الله . وهم أبناء الحسن بن علي، انظر: تاريخ خليفة (ص 234) والبداية والنهاية (8/189) .
ومن ولد عبد الله بن جعفر، محمد وعون . محمد أمه الخوصا بنت خصف، وأما عون فأمه زينب العقيلية بنت علي، انظر: تاريخ خليفة (ص 234) .
ومن ولد عقيل بن أبي طالب، عبد الرحمن وجعفر وعبد الله ومسلم . انظر: تاريخ خليفة (ص 234) والبداية والنهاية (8/189) .
يقول الذهبي عن ذلك: ويدخل فيهم من نسل فاطمة وغيرهم، لأن الرافضة رووا أحاديث وأعداد مهولة في من قتل مع الجيش من نسل فاطمة فقط، حيث ذكر فطر بن خليفة أن عدد من قتل من نسل فاطمة سبعة عشر رجلاً، ولاشك أن هذا العدد مبالغ فيه كثير جداً. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 61 هـ (ص 21) وتاريخ خليفة (ص 235) والمعجم الكبير (3/104 و119)، وفطر هذا من غلاة الشيعة.
ثم إن ابن ذي الجوشن حمل رأس الحسين وأرسله إلى ابن زياد. أخرج البخاري عن أنس بن مالك: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي، فجعل ينكت وقال في حسنه شيئاً، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوباً بالوسمة. البخاري مع الفتح (7/119)، والوسمة هي نبات يخضب به الوجه ويميل إلى السواد .
وعند الترمذي وابن حبان من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين فجعل يقول بقضيب في أنفه ويقول ما رأيت مثل هذا حسناً يُذكر، قلت: أما إنه كان أشبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم. صحيح سنن الترمذي (3/325) والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (9/59-60) .
وللطبراني في المعجم الكبير (5/206) و(3/125) من حديث زيد بن أرقم، فجعل قضيباً في يده، في عينه وأنفه فقلت: ارفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه. وزاد البزار من وجه آخر عن أنس قال: فقلت له إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك، قال: فانقبض. أورده الحافظ في الفتح (7/121) .
وقد اختلطت -كما أسلفت- الروايات الحقيقية بالمكذوبة التي افتراها الرافضة الحمقى وروج لها الإخباريين بأسلوب يهدر كل القيم والمثل .
نعم هناك روايات كتاب الأغاني، -والذي يسمى بالنهر المسموم-، ذلك النهر الذي عب منه كل مثقفينا، وكل من تناول جانباً من تاريخنا، كابراً عن كابر، فَضَّلوا وأضلوا .
وهذا الذي ذكرته هو المشهور والمتفق عليه بين العلماء في مقتله رضي الله عنه وقد رويت زيادات بعضها صحيح وبعضها ضعيف وبعضها كذب موضوع، والمصنفون من أهل الحديث في سائر المنقولات، أعلم وأصدق بلا نزاع بين أهل العلم؛ لأنهم يسندون ما ينقلونه عن الثقات، أو يرسلونه عمن يكون مرسله مقارب الصحة، بخلاف الإخباريين؛ فإن كثيراً مما يسندونه، يسندونه عن كذّاب أو مجهول، أمّا ما يرسلونه، فظلمات بعضها فوق بعض .
وأما أهل الأهواء ونحوهم فيعتمدون على نقل لا يعرف له قائل أصلاً، لا ثقة ولا ضعيف وأهون شيء عندهم الكذب المختلق، وأعلم من فيهم لا يرجع فيما ينقله إلى عمدة بل إلى سماعات عن المجاهيل والكذابين، وروايات عن أهل الإفك المبين .
هذه هي حقيقة الفاجعة، وأصلها وفصلها، وكفى، وهذه هي قضية يزيد ومقتل الحسين، إما أن تذكر كلها بتفاصيلها، وإما أن تبقى طي الكتمان، أما أن يجتزأ الكلام، ويختزل بهذه الصورة الشائعة على الألسن -قتل يزيد الحسين- فهذا فيه تدليس وتزييف .
لكن لنقف مع تقويم لهذه المعارضة من قبل الحسين رضي الله عنه .
كانت معارضة الحسين ليزيد بن معاوية وخروجه إلى العراق طلباً للخلافة، ثم مقتله رضي الله عنه بعد ذلك، قد ولد إشكالات كثيرة، ليس في الكيفية والنتيجة التي حدثت بمقتله رضي الله عنه، بل في الحكم الشرعي الذي يمكن أن يحكم به على معارضته، وذلك من خلال النصوص النبوية . وإن عدم التمعن في معارضة الحسين ليزيد والتأمل في دراسة الروايات التاريخية الخاصة بهذه الحادثة، قد جعلت البعض يجنح إلى اعتبار الحسين خارجاً على الإمام، وأن ما أصابه كان جزاءاً عادلاً وذلك وفق ما ثبت من نصوص نبوية تدين الخروج على الولاة .
فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أراد أن يفرق بين المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. صحيح مسلم (12/241)، قال السيوطي: أي فاضربوه شريفاً أو وضيعاً على إفادة معنى العموم. عقد الزبرجد (1/264). وقال النووي معلقاً على هذا الحديث: الأمر بقتال من خرج على الأمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بالقتل قتل وكان دمه هدراً.
وفي هذا الحديث وغيره من الأحاديث المشابهة له جاء تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على أن الخارج على سلطان المسلمين يكون جزاءه القتل، وذلك لأنه جاء ليفرق كلمة المسلمين .
وإن الجمود على هذه الأحاديث جعلت الكرامية فرقة من الفرق مثلاً يقولون: إن الحسين رضي الله عنه باغ على يزيد، فيصدق بحقه من جزاء القتل. نيل الأوطار للشوكاني (7/362) .
وأما البعض فقد ذهبوا إلى تجويز خروج الحسين رضي الله عنه واعتبر عمله هذا مشروعاً، وجعلوا المستند في ذلك إلى أفضلية الحسين والى عدم التكافؤ مع يزيد. نيل الأوطار (7/362) .
وأما البعض فقد جعل خروج الحسين خروجاً شرعياً بسبب ظهور المنكرات من يزيد. انظر: الدره فيما يجب اعتقاده لابن حزم (ص 376) وابن خلدون في المقدمة (ص 271) .
ولكن إذا أتينا لتحليل مخرج الحسين رضي الله عنه ومقتله، نجد أن الأمر ليس كما ذهب إليه هذان الفريقان، فالحسين لم يبايع يزيد أصلاً، وظل معتزلاً في مكة حتى جاءت إليه رسل أهل الكوفة تطلب منه القدوم، فلما رأى كثرة المبايعين ظن رضي الله عنه أن أهل الكوفة لا يريدون يزيد فخرج إليهم، وإلى الآن فإن الحسين لم يقم بخطأ شرعي مخالف للنصوص، وخاصة إذا عرفنا أن جزءً من الأحاديث جاءت مبينة لنوع الخروج .
فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نزع يداً من طاعة فلا حجة له يوم القيامة، ومن مات مفارقاً للجماعة فقد مات ميتة جاهلية. مسلم بشرح النووي (12/233-234). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التي بعدها كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر يعني رمضان كفارة لما بينهما، قال: ثم قال بعد ذلك: إلا من ثلاث، -قال: فعرفت إن ذلك الأمر حدث إلا من الإشراك بالله، ونكث الصفقة، وترك السنة. قال: أما نكث الصفقة: أن تبايع رجلاً ثم تخالف إليه، تقاتله بسيفك، وأما ترك السنة فالخروج من الجماعة. المسند (12/98) بسند صحيح .
وبالرغم من أن الحسين رضي الله عنه حذره كبار الصحابة ونصحوه إلا أنه خالفهم، وخلافه لهم إنما هو لأمر دنيوي، فقد عرفوا أنه سيقتل وسيعرض نفسه للخطر، وذلك لمعرفتهم بكذب أهل العراق، والحسين رضي الله عنه ما خرج يريد القتال، ولكن ظن أن الناس يطيعونه، فلما رأى انصرافهم عنه طلب الرجوع إلى وطنه أو الذهاب إلى الثغر أو إتيان يزيد .منهاج السنة (4/42) .
ولقد تعنت ابن زياد أمام تنازلات الحسين، وكان من الواجب عليه أن يجيبه لأحد مطالبه، ولكن ابن زياد طلب أمراً عظيماً من الحسين وهو أن ينزل على حكمه، وكان من الطبيعي أن يرفض الحسين هذا الطلب، وحُق للحسين أن يرفض ذلك؛ لأن النزول على حكم ابن زياد لا يعلم نهايته إلا الله، ثم إن فيه إذلالاً للحسين وإهانته الشيء الكبير، ثم إن هذا العرض كان يعرضه الرسول صلى الله عليه وسلم على الكفار المحاربين، والحسين رضي الله عنه ليس من هذا الصنف، ولهذا قال شيخ الإسلام في المنهاج (4/550): وطلبه أن يستأسر لهم، وهذا لم يكن واجباً عليه .
والحقيقة أن ابن زياد هو الذي خالف الوجهة الشرعية والسياسية حين أقدم على قتل الحسين، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: .. فإن جاء آخر ينازع فاضربوا عنق الآخر. مسلم (12/233). فإن هذا الحديث لا يتناول الحسين، لأنه عرض عليهم الصلح فلم يقبلوا، ثم كان مجيئه بناء على طلب أهل البلد وليس ابتداعاً منه، يقول النووي معلقاً على الحديث: قوله فاضربوا عنق الآخر معناه: فادفعوا الثاني، فإنه خارج على الإمام فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فاقتلوه. شرح مسلم (12/234). وبذلك يكون الظالم هو ابن زياد وجيشه الذين أقدموا على قتل الحسين رضي الله عنه بعد أن رفضوا ما عرض الحسين من الصلح .
ثم إن نصح الصحابة للحسين يجب أن لا يفهم على أنهم يرونه خارجاً على الإمام، وأن دمه حينئذ يكون هدراً، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم أدركوا خطورة أهل الكوفة على الحسين وعرفوا أن أهل الكوفة كذابين، وقد حملت تعابير نصائحهم هذه المفاهيم .
يقول ابن خلدون في المقدمة (ص 271): فتبين بذلك غلط الحسين، إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه، وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه، لأنه منوط بظنه، وكان ظنه القدرة على ذلك، وأما الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا بالحجاز ومصر والعراق والشام والذين لم يتابعوا الحسين رضوان الله عليه، فلم ينكروا عليه ولا أثمّوه، لأنه مجتهد وهو أسوة للمجتهدين به .
ويقول شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/556): وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يأمر فيها بقتل المفارق للجماعة لم تتناوله، فإنه رضي الله عنه لم يفارق الجماعة، ولم يقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده أو إلى الثغر أو إلى يزيد، وداخلاً في الجماعة معرضاً عن تفريق الأمة، ولو كان طالب ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ذلك، فكيف لا تجب إجابة الحسين. ويقول في موضع آخر (6/340): ولم يقاتل وهو طالب الولاية، بل قتل بعد أن عرض الانصراف بإحدى ثلاث .. بل قتل وهو يدفع الأسر عن نفسه، فقتل مظلوماً .
أما عن موقف يزيد بن معاوية رحمه الله من قتل الحسين رضي الله عنه ..
كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بما حدث ويستشيره في شأن أبناء الحسين ونسائه، فلما بلغ الخبر إلى يزيد بن معاوية بكى وقال: كنت أرضى من طاعتهم أي أهل العراق بدون قتل الحسين .. لعن الله ابن مرجانة لقد وجده بعيد الرحم منه، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين. الطبري (5/393) بسند كل رجاله ثقات ماعدا مولى معاوية وهو مبهم. والبلاذري في أنساب الأشراف (3/219، 220) بسند حسن.
وفي رواية أنه قال: .. أما والله لو كنت صاحبه، ثم لم أقدر على دفع القتل عنه لا ببعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه. الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/265) بسند كل رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً بين الشعبي والمدائني.
فجاء رد يزيد على ابن زياد يأمره بإرسال الأسارى إليه؛ فبارد ذكوان أبو خالد فأعطاهم عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها. الطبقات لابن سعد (5/393) بإسناد جمعي.
ومن هنا يعلم أن ابن زياد لم يحمل آل الحسين بشكل مؤلم أو أنه حملهم مغللين كما ورد في بعض الروايات .
وكان رد يزيد رحمه الله على ابن زياد كان مخالفاً لما يطمع إليه ابن زياد، حيث كان يطمع بأن يقره يزيد على الكوفة، فلم يقره على عمله بل سبه ونال منه بسبب تصرفه مع الحسين، وهنا يكون الداعي أكبر لأن يحمل ابن زياد آل الحسين على صورة لائقة لعلها تخفف من حدة وغضب يزيد عليه.
ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة (4/559): وأما ما ذكر من سبي نسائه والذراري والدوران بهم في البلاد وحملهم على الجمال بغير أقتاب، فهذا كذب وباطل، ما سبى المسلمون ولله الحمد هاشمية قط، ولا استحلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم سبي بين هاشم قط، ولكن كان أهل الجهل والهوى يكذبون كثيراً.
ولما دخل أبناء الحسين على يزيد قالت: فاطمة بنت الحسين: يا يزيد أبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا؟ قال: بل حرائر كرام، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت، قالت فاطمة: فدخلت إليهن فما وجدت فيهن سفيانية إلا ملتزمة تبكي. الطبري (5/464) من طريق عوانة.
وعندما دخل علي بن الحسين على يزيد قال: يا حبيب إن أباك قطع رحمي وظلمني فصنع الله به ما رأيت يقصد أنه قد حدث له ما قدره الله له -، فقال علي بن الحسين {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير}[الحديد/22]، ثم طلب يزيد من ابنه خالد أن يجبه، فلم يدر خالد ما يقول فقال يزيد قل له:{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}[الشورى/30]. الطبري (5/464) من طريق عوانة وأنساب الأشراف (3/220) بإسناد حسن.
وأرسل يزيد إلى كل امرأة من الهاشميات يسأل عن كل ما أخذ لهن كل امرأة تدعي شيئاً بالغاً ما بلغ إلا أضعفه لهن في العطية. وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعى علي بن الحسين. وبعث يزيد إلى المدينة فقدم عليه ذوي السن من موالي بني هاشم ومن موالي نبي علي. -ولعل يزيد أراد باستقدامه لهؤلاء الموالي إظهار مكانة الحسين وذويه ويكون لهم موكب عزيز عند دخول المدينة-. وبعد أن وصل الموالي أمر يزيد بنساء الحسين وبناته أن يتجهزن وأعطاهن كل ما طلبن حتى أنه لم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر بها. وقبل أن يغادروا قال يزيد لعي بن الحسين إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك ونعرف لك حقك فعلت. ابن سعد في الطبقات (5/397) بإسناد جمعي.
قال شيخ الإسلام في المنهاج (4/559): وأكرم أبناء الحسين وخيرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة فاختاروا الرجوع إلى المدينة.
وعند مغادرتهم دمشق كرر يزيد الاعتذار من علي بن الحسين وقال: لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلا أعطيتها إياه ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ولكن الله قضى ما رأيت، كاتبني بكل حاجة تكون لك. الطري (5/462) .
وأمر يزيد بأن يرافق ذرية الحسين وفد من موالي بني سفيان، وأمر المصاحبين لهم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا ومتى شاءوا، وبعث معهم محرز بن حريث الكلبي وكان من أفاضل أهل الشام. ابن سعد في الطبقات (5/397) بإسناد جمعي.
وخرج آل الحسين من دمشق محفوفين بأسباب الاحترام والتقدير حتى وصلوا إلى المدينة. قال ابن كثير في ذلك: وأكرم آل الحسين ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في محامل وأهبة عظيمة .. البداية والنهاية (8/235).
وإن الاتهام الموجه الآن إلى يزيد بن معاوية هو أنه المتسبب الفعلي في قتل الحسين رضي الله عنه .
نقول: يزيد بن معاوية رحمه الله كما هو معروف أصبح خليفة للمسلمين، وانقاد له الناس وظل معترفاً به من غالب الصحابة والتابعين وأهل الأمصار حتى وفاته، ولقد امتنع عن بيعته اثنان من الصحابة فقط وهما: الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم .
وكان الشيعة في العراق يطالبون الحسين بالقدوم عليهم، وخرج الحسين إلى العراق بعد أن كتب إليه مسلم بن عقيل بكثرة المبايعين وأن الأمور تسير لصالحه.
ولو أننا لاحظنا موقف يزيد بن معاوية من الحسين بن علي طوال هذه الفترة التي كان خلالها الحسين معلناً الرفض التام للبيعة ليزيد، وهي الفترة التي استمرت (شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة) لوجدنا أن يزيد لم يحاول إرسال جيش للقبض على المعارضين (الحسين وابن الزبير) بل ظل الأمر طبيعياً وكأن يزيد لا يهمه أن يبايعا أو يرفضا. وكما يبدو، فإن يزيد حاول أن يترسم خطى والده في السياسة ويكون حليماً حتى آخر لحظة، وأن يعمل بوصية والده، وذلك بالرفق بالحسين ومعرفة حقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ق، و بالأخص الكوفة التي بدأت مؤشرات الأحداث فيها تزداد سوءاً، وتنذر بانفتاح جبهة داخلية في الدولة .
ولهذا تدارك الأمر وعين عبيد الله بن زياد أميراً على الكوفة، واستطاع ابن زياد بما وهب من حنكة ودهاء وحزم أن يسيطر على الكوفة وأن يقتل دعاة التشيع بها.
وفي المقابل فإن يزيد بن معاوية لم يكن غافلاً عن تحركات الحسين رضي الله عنه، و لهذا لما عزم الحسين على التوجه إلى الكوفة كتب يزيد إلى ابن زياد رسالة يخبره بقدوم الحسين إلى الكوفة قائلاً له: بلغني أن حسيناً سار إلى الكوفة وقد ابتلى به زمانك بين الأزمان وبلدك بين البلدان وابتليت به بين العمال .. وضع المناظر والمسالح واحترس على الظن وخذ على التهمة، غير ألا تقتل إلا من قاتلك، واكتب إلى في كل ما يحدث من الخبر، والسلام عليك ورحمة الله. مجمع الزائد (9/193) ورجاه ثقات إلا أن الضحاك لم يدرك القصة. والطبري (5/380 ).
وعند النظر إلى المقطع الأول من كلام يزيد فإننا نحس بأن يزيد يوجه ابن زياد إلى مكانة الحسين وعلو قدره، وإلا فما معنى (قد ابتلي به زمانك من بي الأزمان ..) . ولم كان يزيد حريصاً على قتل الحسين لما أطراه لعامله بهذا الشكل المخيف وحذره منه، كما أنه لا يعني أن هذا التضخيم من شأن الحسين هو حمل ابن زياد على الاستعداد له بكل ما يستطيع، وذلك لأن الحسين خرج في عدد قليل ويزيد يعرف هذا. وليس في عبارات يزيد ما يدل على أنه طلب من ابن زياد الاجتهاد في القضاء على الحسين، بل إن الشق الثاني من رسالة يزيد تلزم ابن زياد بعدم قتل أحد إلا في حالة مقاتلة المعتدي، كما أن فيها طلباً أكيداً من ابن زياد بوجوب الرجوع إلى يزيد في كل حدث يحدث، ويكون المقرر الأخير فيه هو يزيد نفسه.
وبعد أن اقترب الحسين من الكوفة واجهه ابن زياد بالتدابير التي سبق ذكرها، حتى أرسل إلى الحسين عمر بن سعد قائداً على سرية ألجأت الحسين إلى كربلاء، كان وصول الحسين إلى كربلاء هو يوم الخميس الموافق الثالث من المحرم . الطبري (5/409 ).
واستمرت المفاوضات بين ابن زياد وبين الحسين بعد وصوله إلى كربلاء حتى قتل رضي الله عنه في العاشر من المحرم. أي أن المفاوضات استمرت أسبوعاً واحداً تقريباً، ومن المعلوم أن المسافة التي تفصل بين دمشق والكوفة تحتاج إلى وقت قد يصل إلى أسبوعين، أي أن ابن زياد اتخذ قراره والذي يقضي بقتل الحسين دون الرجوع إلى يزيد، أو أخذ مشورته في هذا العمل الذي أقدم عليه، وبذلك يكون قرار ابن زياد قراراً فردياً خاصاً به لم يشاور يزيد فيه، وهذا الذي يجعل يزيد يؤكد لعلي بن الحسين بأنه لم يكن يعلم بقتل الحسين ولم يبلغه خبره إلا بعد ما قتل.
ولعل فيما ذكرنا من أدلة تبين عدم معرفة يزيد بما أقدم عليه ابن زياد من قتل الحسين رضي الله عنه، إضافة إلى أقوال الصحابة التي ذكرناها سابقاً والتي تحمّل المسؤولية في قتل الحسين على أهل العراق، ولم نجد أحداً من الصحابة وجه اتهاماً مباشراً إلى يزيد، ولعل في ذلك كله دليلاً واضحاً على أن يزيد لا يتحمل من مسؤولية قتل الحسين شيئاً فيما يظهر لنا، أما الذي في الصدور فالله وليه وهو أعلم به، ولسنا مخوّلين للحكم على الناس بما في صدورهم، بل حكمنا على الناس بما يثبت لنا من ظاهرهم والله يتولى السرائر وهو عليم بكل شيء.
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الوصية الكبرى (ص 45): ولم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله. ويقول في موضع آخر من منهاج السنة (4/472): إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، والحسين رضي الله عنه كان يظن أن أهل العراق ينصرونه ويفون له بما كتبوا له .. فلما أدركته السرية الظالمة، طلب أن يذهب إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر أو يرجع إلى بلده، فلم يمكنوه من شيء من ذلك حتى سيتأسر لهم، فامتنع فقاتلوه حتى قتل شهيداً مظلوماً رضي الله عنه.
وقال الطيب النجار: وتقع تبعية قتله أي الحسين علي عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد، ولا يتحمل يزيد بن معاوية شيئاً من هذه التبعة، وهو بريء من تهمة التحريض على قتل الحسين. الدولة الأموية (ص 103).
ولكن يزيد بن معاوية انتقد على عدم اتخاذ موقف واضح من ابن زياد أو من الذين شرعوا في قتل الحسين رضي الله عنه.
فهذا شيخ الإسلام يقول : ولكنه مع ذلك أي مع إظهار الحزم على الحسين ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره. منهاج السنة (4/558).
وقال ابن كثير: .. ولكنه لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك، والله أعلم. البداية والنهاية (9/204).
وكل الذي أبداه شيخ الإسلام و غيره من هذه الاعتراضات لها قدر كبير من الوجاهة والأهمية، ولكن معرفة ظروف العصر الذي حدثت فيه الحادثة، تجعلنا أكثر تعمقاً في مناقشة هذا الرأي.
فالكوفة كما هو معروف هي مركز التشيع في تلك الفترة، وهي بلدة غير مستقرة، معروفة بثوراتها وفتنها، وطوائفها وأحزابها، وعندما كان أمير الكوفة النعمان بن بشير رضي الله عنه كادت الأمور أن تنفلت من يده، فلما أسل يزيد ابن زياد أميراً على الكوفة استطاع ابن زياد في مدة قصيرة أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن يكبح جماح الثورة، وسيطر سيطرة كاملة على الكوفة، وحتى بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، فإن الوضع الأمني في الكوفة ازداد خطورة، ولا أظن أن يزيد يسجد قائداً بحزم ابن زياد وبقوته، ثم إن الشيعة لن ترضى سواء عُزل ابن زياد أم بقي، ولن تغير ما في قلوب الشيعة من حقد على الدولة نفسها.
ولو أقدم يزيد على إقالة ابن زياد فإنه سيدفع تكاليف هذه الخطوة كثيراً، وربما سوف يتحول الوضع إلى ثورة كبرى يقودها الشيعة أنفسهم والمتأسفون لقتل الحسين كما حدث بعد ذلك بقترة وجيزة والمعروفة بحركة التوابين.
أما بالنسبة إلى تتبع قتلة الحسين رضي الله عنه، فإن هذا ليس من السهولة، فنفس الصعوبات التي اعترضت علياً رضي الله عنه في عدم تتبعه لقتلة عثمان رضي الله عنه، ومن بعده معاوية رضي الله عنه، والذي كان من المصرين على تنفيذ القصاص على قتلة عثمان، سوف تعترض يزيد بن معاوية لو أنه أراد تتبع قتلة الحسين.
ولعل تصرف سليمان بن صُرَدْ رضي الله عنه الذي قاد التوابين ضد ابن زياد يوضح هذه المسألة بوضوح، فقد أدرك سليمان بن صرد أن قتلة الحسين رضي الله عنه في الكوفة، ومع ذلك اتجه لمقاتلة ابن زياد بدلاً من مقاتلة قتلة الحسين في الكوفة قائلاً لأصحابه: (إني نظرت فيما تذكرون فرأيت أن قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة، وفرسان العرب، وهم المطاَلبون بدمه، ومتى علموا ما تريدون وعلموا أنهم المطاَلبون كانوا أشد عليكم، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا أنفسهم، ولم ينكوا في عدوهم وكانوا لهم حذراً .. الطبري (5/558).
وبهذا يتضح السبب أكثر في عدم تتبع قتلة الحسين، وبالأخص من قبل الدولة الأموية؛ إذ ليس الأمر بالهين وهم يتبعون قبائل كبيرة لها وزنها الاجتماعي والسياسي، فلربما أدى تصرف مثل هذا، إلى زعزعة أمن الدولة وبالأخص في منطقة العراق كلها، ثم إن يزيد لم يتفرغ بعد لمحاسبة ولاته، بل كانت الثورات متتابعة، فمعارضة ابن الزبير أخذت تكبر وتنمو، وأهل الحجاز قلوبهم ليست مع يزيد إلى غير ذلك من مشاكل الدولة الخارجية، والتي تجعل يزيد عاجزاً عن اتخاذ موقف قوي مع ولاته أو الذين أخطأوا في حق الحسين رضي الله عنه.
هذا بالنسبة لموضوع خروج الحسين ومقتله رضي الله عنه، وموقف يزيد من ذلك .. والله تعالى أعلم .