ستقرأون في هذا الفصل الـ 27 .. كثيرا من الأحداث في عهد الخليفة السابع والعشرون المقتدي بأمر الله, والتي كان أهمها الخلاف مع ملكشاه الذي كان سلطانا علي بلاد ما
وراء نهر سيحون وجيحون والجزيرة والعراق والشام, ووصل أمر هذا الخلاف إلي توجيه الأمر للخليفة بمغادرة بغداد إلي أي مكان يريده ورفض إعطاء مهلة للخيفة ولو ساعة للمغادرة, أما الذي حدث بعد ذلك فهو مفاجأة .. تابعونا
وراء نهر سيحون وجيحون والجزيرة والعراق والشام, ووصل أمر هذا الخلاف إلي توجيه الأمر للخليفة بمغادرة بغداد إلي أي مكان يريده ورفض إعطاء مهلة للخيفة ولو ساعة للمغادرة, أما الذي حدث بعد ذلك فهو مفاجأة .. تابعونا
.
دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية الفصل السابع والعشرون/ خلافة عبد الله المقتدي بأمر الله)
.
من هو الخليفة المقتدي بأمر الله ؟...
هو ابو القاسم عدة الدين عبدالله بن ذخير الدين محمد بن عبدالله القائم بن احمد القادر بن اسحاق بن جعفر المقتدر بن احمد المعتضد, وهو الخليفة العباسي السابع والعشرون, ولد في بغداد في 8 جمادى الاولى 448ه الموافق 24/7/1056م بعد وفاة أبيه بستة أشهر وتوفي في14 محرم 487ه الموافق 3/2/1094م, وامه "أم ولد" (أي كانت جارية قبل أن تنجب) أسمها ارجوان الارمنية ومن اسمائها قرة العين, وتزوج من ابنة ألب أرسلان سنة 464 هـ، ودامت خلافته من عام 467ه الموافق 1075م الى ان توفي في عام 487ه الموافق 1094م.
.
سماته وصفاته:
كان متدينا خيراً قوي النفس عالي الهمة من نجباء بني العباس.
قال ابن كثير في البداية والنهاية: وكان المقتدي أبيض حلو الشمائل عمرت في أيامه محال كثيرة من بغداد ونفى عن بغداد المغنيات وأرباب الملاهى والمعاصي وكان غيورا على حريم الناس آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر حسن السيرة.
وقال الذهبي في السير: وكان حسن السيرة، وافر الحرمة, أمر بنفي الخواطئ والقينات، وأن لا يدخل أحد الحمام إلا بمئزر، وأخرب أبراج الحمام، وفيه ديانة ونجابة وقوة وعلو همة.
.
توليه الخلافة:
المقتدي منقذ نسل القادر والقائم
قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والامم): لم يبق من أولاد الخليفة القائم بأمر الله سوي "الذخيرة" (إسمه هكذا) فاستشعر الناس القلق.ذلك لعدم وجود ولد ذكر في أسرة الخليفة سواه, لأن غيرها من الأسر العباسية كانت مخالطة للعوام والسوقة. ولكن "الذخيرة" مات وكان له ولد ذكر هو المقتدي حفيد الخليفة القائم بأمر الله, فبويع له بالخلافة عند موت جده الخليفة القائم في 13 شعبان 467ه الموافق 2/4/1075م, وكان عمره تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وكانت البيعة بحضرة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والدامغاني وظهر في أيامه خيرات كثيرة وآثار حسنة في البلدان. وكانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة وافرة الحرمة بخلاف من تقدمه, بيد أنه كان كسابقه خاصعاً لسلطة السلاجقة و لم يكن له سياسياً أثراً يُذكر, و حتى امتياز الخليفة بمنح الصلاحيات العسكرية و الموافقة على الفتوح خرجت عن سلطته كما حصل مع الوزير السلجوقي نظام الملك, وكل ذلك سبب أزمة في العلاقات بين السلاجقة و العباسيين كانت ذروتها أن مالك شاه ألب أرسلان والد زوجته الخليفة المقتدي عرض عليه نقل مقره إلى دمشق أو الحجاز. كما أنه من خلال تزويج ابنته من الخليفة حاول السلطان السلجوقي أن يعطي لسلطته صفة شرعية من خلال حفيد له من ابنته. لكن هروب ابنته مع ابنها إلى أصفهان شتت تلك الأحلام.
.
حدث في عهده
في سنة 468هـ خطب للمقتدي بدمشق وأبطل الأذان بحي على خير العمل وفرح الناس بذلك.
.
في سنة 469هـ قدم بغداد أبو نصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري حاجاً فوعظ بالنظامية وجرى له فتنة كبيرة مع الحنابلة لأنه تكلم على مذهب الأشعري وحط عليهم وكثر أتباعه والمتعصبون له فهاجت فتن وقتلت جماعة. وعزل فخر الدولة بن جهير من وزارة المقتدي لكونه شذ عن الحنابلة.
.
في سنة 476هـ ولى الخليفة أبا الشجاع محمد بن الحسين الوزارة ولقبه ظهير الدين وأظن ذلك أول حدوث التلقيب بالإضافة إلى الدين.
.
في سنة 477هـ سار سليمان بن قتلمش السلجوقي صاحب قونية وأقصراء بجيوشه إلى الشام فأخذ إنطاكية وكانت بيد الروم من سنة 358هـ وأرسل إلى السلطان
ملكشاه يبشره, قال الذهبي: وآل سلجوق هم ملوك بلاد الروم وقد امتدت أيامهم وبقي منهم بقية إلى زمن الملك الظاهر بيبرس.
.
الخلاف مع ملكشاه:
في سنة 485هـ عاد السلطان ملكشاه إبن ألب أرسلان (ومعناها بالتركية الأسد الباسل) وكان سلطانا ضم إلي مملكته جميع بلاد ما وراء النهر وبلاد الهياطلة وباب الأبواب والروم وديار بكر والجزيرة والعراق والشام وخطب له على جميع منابر الإسلام سوى بلاد المغرب، المهم عاد إلي بغداد بعد أن غادرها عازما علي الشر.
قال جلال الدين السيوطي في كتاب (تاريخ الخلفاء): في سنة 485هـ عاد السلطان ملكشاه إلى بغداد عازماً على الشر وأرسل إلى الخليفة يقول: لا بد أن تترك لي بغداد وتذهب إلى أي بلد شئت فانزعج الخليفة وقال: أمهلني ولو شهراً قال: ولا ساعة واحدة فأرسل الخليفة إلى وزير السلطان يطلب المهلة إلى عشرة أيام إلا أن ملكشاه مرض ومات وعد ذلك كرامة للخليفة وقيل: إن الخليفة جعل يصوم فإذا أفطر جلس ودعا على ملكشاه فاستجاب الله دعاءه ولما مات كتمت زوجته تركان خاتون موته وأرسلت إلى الأمراء سراً فاستحلفتهم لولده محمود وهو ابن خمس سنين فحلفوا له وأرسلت إلى المقتدي في أن يسلطنه فأجاب ولقبه ناصر الدنيا والدين.
.
تولية امير المغرب والاندلس:
في سنة 466 هـ كان يوسف بن تاشفين حاكم دولة المرابطين في المغرب والأندلس يُلقب بالأمير، ويشترك معه في هذا اللقب عدة شخصيات من قبيلته وتسمي "لمتونه"، وبعد أن استولى ابن تاشفين على المغرب وكبرت مملكته، اجتمع إليه أشياخ قبيلته وعرضوا عليه أن يُلقب بأمير المؤمنين، لأن حقه أكبر من أن يلقب بالأمير، فرفض ذلك وقال: « حاشى أن أسمى بهذا الاسم، إنما يتسمى به خلفاء بني العباس، لكونهم من تلك السلالة الكريمة، وأنا راجلهم والقائم بدعوتهم»، ولكنهم قالوا أنه لابد من اسم يمتاز به على سائر الأمراء، واقترحوا عليه لقب أمير المسلمين.
قال ابن خلدون: «تسمى يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين، وخاطب الخليفة المقتدي بالله العباسي، وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي، وولده القاضي أبا بكر بن العربي الإمام المشهور، فتلطفا في القول وأحسنا في الإبلاغ، وطلبا من الخليفة أن يعقد لأمير المسلمين بالمغرب والأندلس، فعقد له، وتضمن ذلك مكتوب من الخليفة منقول في أيدي الناس. وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم، وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي بالحرص على العدل والتمسك بالخير». وإنما تسمى بأمير المسلمين دون أمير المؤمنين أدبًا مع الخليفة، حتى لا يشاركه في لقبه، لأن لقب أمير المؤمنين خاص بالخليفة، والخليفة من قريش كما في الحديث,
بعد أن تم اعتماد لقب أمير المسلمين، اصبح العمل جاريًا به في جميع بلاد دولة المرابطين، وصدرت الكتب تحمل هذا اللقب ابتداءً من منتصف محرم 466 هـ الموافق 1074،
.
ويوسف بن تاشفين هو أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتوني الصنهاجي, أقام إبن عمه أبو بكر بن عمر دولة المرابطين التي دامت مائة عام (400 - 500 هـ / 1009 - 1106 م), وتولى يوسف بن تاشفين إمارة دولة المرابطين بعد أن تنازل له ابن عمه الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني، وكان قائدا شجاعا وَحَّد المغرب وضم الأندلس تحت مُلكه وسلطته, واستطاع إنشاء امبراطورية مغربية تمتد بين مملكة بجاية شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، وما بين البحر المتوسط شمالًا حتى السودان جنوبًا.
.
وفاة الخليفة المقتدي بالله
في المحرم سنة 487هـ خرج علي الخليفة أخو محمود بن ملكشاه "بركياروق" بن ملكشاه فقلده الخليفة ولقبه ركن الدين, ثم مات الخليفة من الغد فجأة وهو في أتم صحة والقوة في يوم الجمعة 14 محرم 487ه الموافق 3/2/1094م, فقيل: إن جاريته شمس النهار دست السم له وروت , ان الخليفة المقتدي قبل لحظات من وفاته انزعج من دخول رجال بلا استأذان عليه فنظرت الى الناحية التي يشير اليها الخليفة فلم تجد احد ثم نظرت الى الخليفة فوجدته ميتاً, ولما مات وبويع لولده المستظهر.
.
المراجع:
جلال الدين السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء)
ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية)
ابو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتابه (سير اعلام النبلاء)
أبو الفرج بن الجوزي في كتابه (المنتظم في تاريخ الملوك والامم)
ابن خلدون في كتابه (العبر وديوان المبتدأ)