ستقرأون في هذا الفصل الـ 21 كيف أن الخليفة العباسي الواحد والعشرون الملقب بالمتقي لله لم يكن له من الخلافة سوى الاسم فقط اما التصرف والتدبير والحكم فكان لمنصب أمير الأمراء الذي إعتلاه اكثر من واحد خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 4 سنوات , وكان لهم الكلمة العليا في تصريف أمور الدولة , حتي أن أحدهم غدر بالخليفة وفقع عينيه فاصبح المتقي مخلوع من الخلافة , ثم وضع بالسجن فأقام فيه خمس وعشرين سنة إلى أن مات في 14 شعبان سنة 357هـ.
.
دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية الفصل الواحد والعشرون/ خلافة المتقي لله بن المقتدر ابن المعتضد)
.
من هو الخليفة المتقي لله؟...
هو أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر ابن المعتضد , والملقب بـالمتقي لله. وهوالخليفة
العباسي الواحد العشرون, ولد في بغداد في سنة 295ه الموافق 902م وتوفي في الجزيرة السندية في سنة 357ه الموافق 968م, وامه هي خلوب التركية, ودامت خلافته من عام 329ه الموافق 941م الى ان خلع في عام 333ه الموافق 944م, وكان من اكثر الخلفاء تديناً.
.
سماته وصفاته:
كان المتقي لله حسن الوجه معتدل الخلق قصير الأنف أبيض مشرباً حمرة، وفي شعره شقرة، وجعودة، كثيف اللحية، يخالط سواد عينيه زرقة، أبي النفس وكان كثير الصوم والتعبد، ولم يشرب نبيذًا قط،
قال ابو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتاب (سير اعلام النبلاء): كان ذا صوم وتعبد
وكان حسن الوجه، معتدل الخلق بحمرة، يخالط سواد عينيه زرقة ,كثيف اللحية.
.
توليه الخلافة:
لما مات الراضي بالله أخوه، اجتمع القضاة والأعيان والمدعو "بدار بجكم" أمير الأمراء، فاتفق رأيهم كلهم على المتقي بالله، فأحضروه في دار الخلافة وأرادوا بيعته، فصلى ركعتين صلاة الاستخارة وهو على الأرض، ثم صعد على الكرسي بعد الصلاة، ثم صعد إلى السرير وبايعه الناس يوم الأربعاء 20 من ربيع الأول من سنة 329 هـ , وتذكر بعض المراجع أن بيعته كانت في 14 ربيع الآخر 329هـ الموافق 16/1/941م., وللأسف لم يكن له من الخلافة سوى الاسم فقط اما التصرف والتدبير والحكم فكان لأبي عبد الله أحمد بن علي الكوفي الكاتب.
قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والامم): سنة 329هـ في يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى حضر الناس لصلاة الجمعة بجامع براثي، وقد كان المقتدر أحرق هذا الجامع لأنه وجد فيه جماعة من الشيعة يجتمعون فيه للسب والشتم، وظل علي حاله خراباً حتى عمره "بجكم" أمير الأمراء في أيام الخليفة الراضي، عنئذ أمر المتقي بوضع منبر داخله كان عليه اسم الرشيد وصلى فيه الناس الجمعة.
قال ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية): سنة 331هـ كثر الرفض (أي الشيعة) ببغداد فنودي (أي أعلن) أن كل من ذكر أحداً من الصحابة بسوء فقد برئت منه الذمة.
.
حدث في عهده:
في سنة 329هـ من ولايته سقطت القبة الخضراء في ليلة ذات مطر ورعد بمدينة المنصورة بالعراق وكانت تاج بغداد ومن مآثر بني العباس وهى من بناء الخليفة أبي جعفر المنصور ارتفاعها ثمانون ذراعاً وتحتها إيوان طوله عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً وعليها تمثال فارس بيده رمح.
.
وفي سنة 330هـ كان الغلاء ببغداد وصل مداهً واشتد القحط وأكلوا الميتات وكان قحطاً لم ير ببغداد مثله أبدا
.
الحرب مع الروم
في سنة 331هـ قال ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية): وصلت الروم إلى قريب حلب فقتلوا خلقاً وأسروا نحواً من خمسة عشر ألفاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون...ثم ثأر نائب طرسوس فدخل إلى بلاد الروم فقتل وسبى وغنم وسلم وأسر من بطارقتهم المشهورين منهم وغيرهم خلقاً كثيراً ولله الحمد.
.
وفي هذه السنة تحارب أبو عبد الله البريدي وبجكم بناحية الأهواز، فقتل بجكم في الحرب وقوي أمر البريدي وعظم شأنه ، فاحتاط الخليفة على أموال بجكم، وكان في جملة ما أخذ من أمواله ألف ألف دينار، ومائة ألف دينار , وكانت أيام بجكم على بغداد سنتين وثمانية أشهر وتسعة أيام , ثم إن البريدي حدثته نفسه ببغداد، فأنفق المتقي أموالاً جزيلة في الجند ليمنعوه من ذلك، فقاد الجند بنفسه، وخرج ليمنعه من دخول بغداد، فخالفه البريدي ودخل بغداد في ثاني رمضان، ونزل بالشفيع، فلما تحقق المتقي ذلك بعث إليه يهنئه وأرسل إليه بالأطعمة، وخوطب بالوزير ولم يخاطبه بإمرة الأمراء , فأرسل البريدي يطلب من المتقي خمسمائة ألف دينار، فامتنع الخليفة من ذلك فبعث إليه يتهدده ويتوعده ويذكره ما حل بالمعز والمستعين والمهتدي والقاهر , فما كان من الخليفة المتقي إلا أن بعث للبريدي بالأموال التي طلبها قهرا , ورغم ذلك لم يكن إجتماع الخليفة والبريدي ببغداد بالأمر المستقر ولم يتفق إجتماعهما معا الأمر الذي جعل البريدي يخرج من بغداد إلى واسط،
وهناك ثارت عليه الديالمة والتفوا على كبيرهم كورتكين الديلمي ، وأرادوا حرق دار البريدي، ونفرت عن البريدي طائفة من جيشه، يقال لهم: البجكمية، لأنه لما قبض المال من الخليفة لم يعطهم منه شيئاً , وكانت من البجكمية طائفة أخرى قد اختلفت معه أيضاً وهم الديالمة فصاروا حزبين متحالفين فهزموا البريدي وأطاحوا به من بغداد واستولى كورتكين الديلمي على الأمور ببغداد، ودخل إلى المتقي فقلده إمرة الأمراء (هو منصب يماثل رئيس الوزراء في هذه الأيام) مكان بجكم التركي أمير الأمراء المقتول.
.
لم تستقر أوضاع الدولة فقد تظلمت العامة من الديلم لأنهم كانوا يأخذون من كل فرد درهما، فشكوا ذلك إلى كورتكين فلم يحرك ساكنا، فمنعت العامة الخطباء أن يصلوا في الجوامع، واقتتل الديلم والعامة، فقتل من الفريقين خلق كثير , عنئذ كتب الخليفة المتقي إلى أبي بكر محمد بن رائق صاحب (والي) الشام يستدعيه إليه ليخلصه من الديلم ومن البريدي، فاستجاب إبن رائق وركب إلى بغداد في العشرين من رمضان من نفس السنة ومعه جيش عظيم، فلما اقترب ابن رائق من بغداد خرج كورتكين في جيشه ليقاتله، فدخل ابن رائق بغداد من غربيها ورجع "كورتكين" بجيشه فدخل من شرقيها، ثم ألتقي الجمعان ببغداد للقتال وساعدت العامة ابن رائق على "كورتكين" فانهزم الديلم، وقتل منهم خلق كثير، وهرب "كورتكين" فاختفى، وبعد أن استقر أمر ابن رائق بعد توليه منصب أمير الأمراء ظفر "بكورتكين" فأودعه السجن الذي في دار الخلافة.
.
وهكذا اعتلى منصب امير الامراء اكثر من واحد خلال فترة قصيرة, افضلهم ابن حمدان الذي لقبه الخليفة المتقي ناصر الدولة, ثم حصلت بينهما المصاهرة فتزوج اسحاق بن المتقي بعلوية بنت ناصر الدولة, ولكن اضطر ناصر الدولة بسبب الحروب الكثيرة ان يخرج وجيشه من بغداد, ودخل توزون التركي اليها وحصل على منصب امير الامراء, وقام الخليفة المتقي لله بتنصيبه, لكن توزون استبد بالامور واراد ان يجعل المتقلي مجرد واجهة فلم يرضى المتقي بذلك.
.
في سنة 332هـ وقعت المنازعة بين المتقي وتوزون, فراسل المتقي ناصر الدولة بن حمدان ليأتي الى بغداد ليعينه على خلع توزون, وخرج المتقي واهله من بغداد كي لا يكون رهينة, ثم وقعت معركتين بين جيش المتقي وابن حمدان المتكون من الاعراب والاكراد وبين جيش توزون المتكون من الاتراك, وانتصر توزون في المعركتين, ثم قرر المتقي ان ينقل العاصمة الى مصر, الذي يتولاها الاخشيد والي العباسيين على مصر, لكنه تراجع عن هذا القرار, بعد ان ترجاه توزون واستوثق منه, وعاد المتقي الى بغداد, وبعد ان التقاء الخليفة بتوزون, قام توزون بالغدر بالخليفة , فسمل (أي فقع) عينيي الخليفة فاصبح المتقي مخلوع من الخلافة في 20 محرم 333هـ الموافق 12/9/944م.
.
وفاته:
بعد أن أصبح الخليفة مخلوعا بعد فقع عينيه ذهبوا به إلى جزيرة مقابلة للسندية (السندية هي مدينة تقع في محافظة دهوك في كردستان) , فسجن بها خمس وعشرين سنة إلى أن مات في 14 شعبان سنة 357هـ , وبعد خلع المتقي في 20 محرم 333هـ تمت مبايعة ابو القاسم عبد الله بن علي المكتفي , ولقب نفسه بالمستكفي بالله ولقب نفسه لاحقاً بلقب إمام الحق.
.
المراجع:
إبن كثير في كتابه (البداية والنهاية)
إبن كثير في كتابه (الكامل)
ابو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتاب (سير اعلام النبلاء)
أبو الفرج بن الجوزي في كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والامم)
تامر الزغاري في كتابه (العهد العباسي)