ستقرأون في هذا الفصل الـ 37 من الباب الثاني "الخلافة العباسية" .. سيرة الخليفة المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين رقم 37, وستقرأون كيف إجتاح المغول بغداد
وقتلوا أكثر من مليون مسلم بها ثم إستداروا علي الخليفة فقتلوه بطريقة بشعة كما قتلوا أسرته والكثير من الأمراء والأعيان والعلماء , وبموته زالت الخلافة العباسية في بغداد في يوم الاربعاء 14 صفر 656هـ الموافق 20/2/1258م .. تابعونا
.
دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية الفصل السابع والثلاثون / خلافة المستعصم بالله)
.
من هو الخليفة المستعصم بالله؟...
هو أبو عبدالمجيد الملقب بـ "المستعصم بالله" إبن عبد الله بن منصور الملقب بـ "المستنصر لله" وهو الخليفة العباسي السابع والثلاثون , ولد في بغداد في عام 609هـ الموافق 1211م , وامه هي هاجر التركية (أم ولد), وزوج "قرة العين" وقتل في 14 صفر 656ه الموافق 20/2/1258م , ودامت خلافته من عام 640ه الموافق 1242م الى ان مات في عام 656ه الموافق 1258م على يد المغول, وهو اخر الخلفاء العباسيين في بغداد.
.
سماته وصفاته:
كان كريماً حليماً سليم الباطن حسن الديانة وأجاز له (أي أجيز له رواية الحديث) على يد ابن النجار المؤيد الطوسي وأبو روح الهروي وجماعة وروى عنه بالإجازة جماعة: منهم النجم البادرائي والشرف الدمياطي وخرّج له الدمياطي أربعين حديثاً
قال الشيخ قطب الدين: كان متديناً متمسكاً بالسنة كأبيه وجده ولكنه لم يكن مثلهما في التيقظ والحزم وعلو الهمة،
.
توليه الخلافة:
كان للمستنصر الخليفة السابق أخ يعرف بإسم "الخفاجي" وكان شجاعا شهما، وكان يقول: إن ملكني الله الأمر لأعبرن بالجيوش نهر جيحون وأنتزع البلاد من التتار وأستأصلهم فلما توفي المستنصر لم ير الدويدار والشرابي والكبار من الأمراء تقليد الخفاجي وإسناد الخلافة إليه , وذلك لأنهم خافوا من الخفاجي ، وآثروا المستعصم للينه وسهولة قيادته ليكون لهم الأمر فبايعوه وأقاموه علي كرسي الخلافة بعد وفاة ابيه الخليفة المستنصر في 10 جمادى الآخرة 640 ه الموافق 5/12/1242م.
.
أهم الأحداث في عهده:
أهتمت معظم كتب التاريخ والمراجع بإجتياح المغول بغداد وقتل الخليفة وأفراد أسرته وزوال الخلافة العباسية في بغداد وبالرغم من ذلك هناك بعض المراجع التي سردت بعض الأحداث الهامشية سنذكر بعضها فيما يلي:
في سنة 647هـ من أيامه أخذت الفرنج دمياط والسلطان الملك الصالح مريض فمات ليلة نصف شعبان فأخفت جاريته أم خليل المسماة شجر الدر (هكذا إسمها وليس شجرة الدر) موته وأرسلت إلى ولده توران شاه الملك المعظم فحضر ثم لم يلبث أن قتل في المحرم سنة 648هـ وثب عليه غلمان أبيه فقتلوه وأمروا عليهم جارية أبيهم شجر الدر وبايع لها الأتراك ولنائبها عز الدين أيبك التركماني, فشرعت شجر الدر في إغداق الأموال للأمراء والأعطيات.
قال المقريزي في كتاب (السلوك لمعرفة دول الملوك): ووصل خبر تولي شجر الدر الى بغداد, فبعث الخليفة المستعصم بالله من بغداد كتابا الى مصر, وهو ينكر على الامراء, ويقول لهم: ان كانت الرجال عدمت عندكم, فأعلمونا حتى نسير اليكم رجلاً.
.
عدم الاعتراف بسلطنة شجر الدر من قبل الأيوبيين في دمشق والخليفة العباسي أربك المماليك في مصر وأقلقهم فراحوا يفكرون في وسائل توفيقية ترضى الأيوبيين والخليفة العباسي وتمنحهم شرعية لحكم البلاد فقرر المماليك تزويج شجر الدر من عز الدين أيبك التركماني وهو من أصل تركماني ,وإسم أيبك يتكون من مقطعين بالتركية (أي) وتعنى قمر و(بك) وتعني أمير , وهو أول سلاطين الدولة المملوكية , ونصب سلطانا على مصر في عام 648هـ - 1250م بعد أن تزوجته شجر الدر وتنازلت له عن العرش , وقام المماليك باحضار طفلا أيوبيا في السادسة من عمره, وقيل في نحو العاشرة من عمره , وسلطنوه باسم "الملك الأشرف مظفر الدين موسى" وأعلن أيبك أنه ليس سوى نائبا للخليفة العباسي وأن مصر لا تزال تابعا للخلافة العباسية كما كانت من قبل, والحقيقة أن الملك الأشرف هذا الصبي لم يكن سوي رمز أيوبي يشارك أيبك الحكم اسميا فيهدأ خاطر الأيوبيين حتي يرضي الخليفة المستعصم بالله في بغداد ليس إلا , وبقي أيبك سلطانا على مصر إلى أن أغتيل بقلعة الجبل بمؤامرة دبرتها زوجته شجر الدر بسبب عزم أيبك على الزواج من امرأة آخرى . وتم لها ذلك في العاشر من أبريل عام 655هـ الموافق 1257م أثناء استحمامه داخل قلعة الجبل على أيدي عدد من الخدم فمات بعد أن حكم البلاد سبع سنوات , وفي الصباح التالي أعلنت شجر الدر انه قد توفي فجأة أثناء الليل إلا أن المماليك المعزية (نسبة إلي عز الدين أيبك) بقيادة نائب السلطنة قطز لم يصدقوها وأعترف الخدم تحت وطأة التعذيب بالمؤامرة , وقام المعزية بتنصيب نور الدين بن أيبك سلطانا على البلاد وكان صبيا في الخامسة عشرة من العمر. وبعد بضعة أيام عثر على جثة شجر الدر ملقاة خارج القلعة بعد أن قتلتها ضربا جواري زوجة عز الدين أيبك الأولي وهي أم المنصور نور الدين علي , وتم اعدام الخدم الذين قاموا باغتيال عز الدين أيبك.
.
مات عز الدين أيبك وشجرة الدر بعد أن أسسا دولة المماليك. تلك الدولة التي سيطرت على جنوب وشرق حوض البحر المتوسط لبضعة عقود من الزمان قضت خلالها على القوى المغولية والصليبية التي أستأسدت ضد المسلمين وحاولت اقتلاع وإنهاء العالم الإسلامي.
.
في سنة 656هـ الموافق 1258م نأتي إلي الحدث الأكبر وكارثة الكوارث التي أطاحت بالخليفة وأزالت الخلافة العباسية في بغداد , ذلك أن التتار كانوا ينتشرون في البلاد وشرهم يتزايد ونارهم تستعر والخليفة والناس في غفلة عما يراد بهم والوزير مؤيد الدين بن العلقمي وزير الخليفة المستعصم بالله. حريص على إزالة الدولة العباسية ونقلها إلى العلوية (نسبة لأنصار علي بن أبي طالب) فأخذ يرسل الرسل في السر بينه وبين التتار والمستعصم تائه في لذاته لا يطلع على الأمور وكأن الأمر لا يعنيه. وقد كان أبوه المستنصر قد استكثر من الجند جداً وكان مع ذلك يصانع التتار ويهادنهم ويرضيهم فلما استخلف المستعصم كان خلياً من الرأي والتدبير فأشار عليه الوزير بتسريح أغلب الجند وأن مصانعة ومهادنة التتار وإكرامهم يحصل به المقصود ففعل ذلك. ثم إن الوزير كاتب التتار وأطمعهم في البلاد وسهل عليهم ذلك وطلب أن يكون نائبهم فوعدوه بذلك وتأهبوا لغزو بغداد.
.
سار هولاكو مع أكبر جيش مغولي تم تجهيزه على الإطلاق, واستطاع ان يخضع كافة القبائل التي تصدت له, و من خلال سمعته الرهيبة استطاع ان يجعل طائفة الحشاشين يستسلموا إليه ويسلموه قلعتهم (قلعة ألموت) دون قتال.
.
كان هدف هولاكو الإستيلاء على بغداد , التي كانت هدف حملته الرئيسي. وتعلل برفض الخليفة العباسي المستعصم بالله إرسال إمدادات عسكرية إليه لتنفيذ رغبته. وكان قد أرسل إلى الخليفة رسالة يدعوه فيها إلى هدم حصون وأسوار بغداد ، وأن يردم خنادقها ، وان يأتي إليه بشخصه ويسلم المدينة له ، وأوصاه أن يستجيب حتى يحفظ كرامته ، وان لم يستجب ، فسيحل بأهله وبلاده الدمار والخراب, وبعث إليه برسالة يقول فيها:
«عندما أقود جيشي الغاضب إلى بغداد, ساقبض عليك سواء اختبأت في الجنة أو في الأرض. ساحرق مدينتك وأرضك و شخصك. أذا كنت حقا تريد حماية نفسك و عائلتك الموقرة, أسمع نصيحتي, وأن أبيت (أي رفضت) ذلك فسترى مشيئة الله فيك».
.
ولم يستطع المستعصم أن ينجو ببغداد من يد المغول بعد خيانة وزيره إبن العلقمي له، الذى ساعد هولاكو وجيشه فى خطتهم الموضوعة للاستيلاء على بغداد، حيث استطاع بحكم منصبه كوزير دولة أن يأمر بصرف جيش المعتصم بحجة أمن البلاد والعباد.
وتسبب جهل المستعصم وعدم حنكته فى وقوعه فى الفخ، وسقوط بغداد فى يد المغول بعد أن وافق على طلب وزيره ابن العلقمى، مما كان سبباً رئيسياً في دخول جيش هولاكو وقتل مليون وثمانمئة مسلماُ، ثم إعدام المستعصم وأنهاء الدولة العباسية.
.
وتعود بداية غزو بغداد عندما أرسل ابن العلقمي إلى هولاكو في سنة 645هـ الموافق 1247م يشيرعليه باحتلال بغداد فزحف إليها ولم تثبت أمامه عساكر المعتصم القليلة، فسقطت بغداد فى أيديهم، واستطاع قائد المغول ان يخضع قبيلة "اللُر" بسهولة, ومن خلال سمعته الرهيبة استطاع ان يجعل طائفة الحشاشين يستسلموا إليه ويسلموه قلعتهم (قلعة ألموت) دون قتال.
.
وهدم المغول برج العجمى، يوم الجمعة الموافق 1 فبراير سنة 656هـ الموافق 1258م ، وتسلقوا السور يوم الاتنين، وقتلوا العساكر البغدادية (أي عساكر بغداد) الذين كانوا يقفون أعلاه، وبحلول المساء كانت جميع لأسوار الشرقية قد سقطت في ايديهم , وتراجع الخليفة المستعصم عن موقفه، فبعث بإبنه وولى عهده إلى هولاكو لمفاوضته، فطلب منهم إلقاء السلاح وخروج جيشه بأكمله من بغداد إلى معسكر المغول بدون سلاح، وهناك حنث قائد المغول بوعده وقام بقطع رؤوس عشرات الألوف من الضباط والجنود على مرأى من سكان بغداد وولى العهد، ولم يبقى له في أخر أيامه الا عشرة آلاف مقاتل.
.
وكان لخيانة ابن العلقمي دور كبير فى سقوط بغداد وقتل أكثر من مليون مسلم حتي تحولت مياه نهر دجلة إلي دماء بدلا من الماء, وقتل الخليفة بطريقة بشعة.
قال إبن تيمية في كتابه منهاج السنة عن ابن العلقمي: وكان وزير الخليفة ببغداد الذي يقال له ابن العلقمي لم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين ويسعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين وضعفهم، وينهى العامة عن قتالهم (يعني التتار) ويكيد أنواعًا من الكيد.
جمع إبن العلقمي سادات وعلماء بغداد إلى هولاكو فقتلهم جميعًا، وأبقوا على المستعصم إلى أن دلهم على خزائن الأموال، وحينما أراد قتله قيل له أن إراقة دماءه على الأرض ستتسبب فى كوارث عظيمة؛ فأمر بوضع الخليفة في جلد بقر وضربه بداخله حتى مات, ثم دخل هولاكو بغداد فوجد حوضا من الذهب الأحمر الخالص في ساحة القصر.
يقول المؤرخ الهمذانى "وقصارى القول أن كل ما كان خلفاء بنى العباس قد جمعوه خلال خمسة قرون وضعه المغول بعضه فوق بعض فكان كجبل على جبل".
.
وفاة المستعصم مقتولا:
قتل الخليفة المستعصم بطريقة وحشية بعد بوضعه في جلد بقر وضربه بداخله حتى مات في سنة 656هـ الموافق 1258م وبموته انتهت دولة بني العباس في العراق، وأصبح ابن العلقمي وزيراً عند هولاكو وحاكماً على بغداد ولكن حُكمه لم يدُم طويلا حيث توفي بعدها بأشهر, وتذكر بعض المراجع أن هولاكو قد قتل إبن العلقمي بعد أن قتل الخليفة بسبب عدم ثقته به وأعتبره خائنا إذ خان وطنه وخليفته.
.
المراجع:
المقريزي في كتاب (السلوك لمعرفة دول الملوك)
إبن كثير في كتابه (البداية والنهاية)
جلال الدين السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء)
إبن تيمية في كتابه (منهاج السنة)
الهمذاني في مجلده (تاريخ هولاكو)