مطابخ ودواليب حمامات كانديانا

مطابخ ودواليب حمامات كانديانا
قمة التصميم .. فن الإبداع .. روعة الخيال - أنقر علي البرواز لمشاهدة العديد من صور المطابخ

بحث داخل المدونة

"مآسي الخلافة كنظام للحكم" 1-4 لمؤلفه عبد المنعم الخن


دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافةكنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الأول - الخلافة الأموية - الفصل الرابع) .. 
.
في الفصل الثالث من الباب
الأول من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" بينا مآسي الخليفة عبد الملك بن مروان وقتله لقريبة ونسيبه من بني أمية "عمرو بن سعيد الأشدق وجز رأسه وإلقائها من أعلي قصره ومعها وفرة من الدنانير مما جعل أنصار عمرو بن سعيد الأشدق يتلهون بالدنانير وينصرفون غير مبالين بقتل زعيمهم عمرو , ولم يكن هذا الصراع بين عبد الملك بن مروان وعمرو بن سعيد الأشدق من أجل الدين ولكنه كان من أجل الدنيا والسلطان , وفي هذا الفصل سنواصل إلقاء الضوء علي أكير خطية أتاها عبد الملك وهي ولايته للسفاح الحجاج بن يوسف الثقفي في أمر المسلمين ورفض عزله رغم جوره وإستبداده , وسوف ترون ما فعله الحجاج في حق المسلمين كما سيأتي:
.
ولاية عبد الملك بن مروان للحجاج بن يوسف الثقفي 
وأخطر عمل قام به عبد الملك ولايته للحجاج بن يوسف الثقفي ، فقد عهد بأمور المسلمين إلى هذا الانسان السفاح الذي هو من أقذر من عرفته البشرية في جميع مراحل التأريخ ... لقد منحه عبد الملك صلاحيات واسعة النطاق ، فجعله يتصرف في امور الدولة حسب رغباته وميوله التي لم تكن تخضع إلا إلى منطق البطش والاستبداد ، وقد أمعن هذا المجرم الأثيم في النكاية بالناس ، وقهرهم واذلالهم ، واخضاعهم للظلم والجور ، وقد خلق في البلاد الخاضعة لنفوذه جوا من الأزمات السياسة التي لا عهد للناس بمثلها ... ونعرض ما قيل فيه ، وإلى بعض صفاته وأعماله التي سود فيها وجه التأريخ ، وفيما يلي ذلك.
.
تنبؤ النبي (ص) عنه
واستشف النبي (ص) من وراء الغيب ما يجري على امته من الظلم والجور ، على يد الحجاج ، فقد روت أسماء بنت أبي بكر قالت : إني سمعت رسول الله (ص) يقول : « منافق ثقيف يملأ الله به زاوية من زوايا جهنم ، يبيد الخلق ، ويقذف الكعبة بأحجارها إلا لعنة الله عليه ... ».
.
آراء من أستاءوا من الحجاج :
أستاء علماء المسلمين وخيارهم من الحجاج ، وهذه بعض كلماتهم :
١ ـ عمر بن عبد العزيز :
وكان عمر بن عبد العزيز ممن  إستاءوا من الحجاج ، والساخطين عليه ، قال فيه : « لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبهم » .
٢ ـ عاصم :
قال عاصم : « ما بقيت لله عز وجل حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج »
٣ ـ القاسم :
قال القاسم بن مخيمرة : « كان الحجاج ينقض عرى الاسلام عروة عروة ».
٤ ـ زاذان :
وكان زاذان من الناقمين على الحجاج ، وقد قال : « كان الحجاج مفلسا من دينه ».
٥ ـ طاوس :
قال طاوس : « عجبت لمن يسمي الحجاج مؤمنا ».
إلى غير ذلك من الكلمات التي أعربت عن خبثه وانه من سوءات التأريخ.
.
من صفاته :
واتصف الحجاج بجميع الصفات الكريهة والنزعات الشريرة فقد انطوت نفسه على الخبث والشر ، والحقد على الناس ، ومن مظاهر صفاته ما يلي :
أ ـ كان الحجاج قد خلق للجريمة والإساءة إلى الناس ، فلم يعرف الاحسان والمعروف ، ولما أراد الحج ولى على العراق شخصا اسمه محمد ، وقد خطب بين الناس فقال لهم : إني قد استعملت عليكم محمدا ، وقد أوصيته فيكم خلاف وصية رسول الله (ص) بالأنصار فانه قد أوصى أن يقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، وقد أوصيته أن لا يقبل من محسنكم ، ولا يتجاوز عن مسيئكم ... ».
وهل خليق بهذا الانسان الممسوخ أن يخالف رسول الله (ص) ويشذ عن سيرته وسنته؟.
.
ب ـ ومن أبرز صفات هذا الطاغية سفكه للدماء ، يقول الدميري : « كان الحجاج لا يصبر عن سفك الدماء ، وكان يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته اراقته للدماء ، وارتكاب امور لا يقدر عليها غيره » وقد بالغ في قتل الناس بغير حق ، فقد كان عدد من قتلهم ظلما  مائة وعشرين ألفا وقيل مائة وثلاثون ألفا وقد أعترف رسميا بسفكه للدماء بغير حق يقول , وقد أنكر عليه عبد الملك اسرافه في ذلك إلا أنه لم يعن به. 
وقد وضع سيفه في رقاب القراء والعباد لأنهم أيدوا ثورة ابن الأشعث ، ومن جملة من قتلهم سعيد بن جبير من علماء الكوفة وزهادها ، وأحد أعلام الشيعة في ذلك العصر ، ولما بلغ الحسن البصري قتله قال : والله لقد مات سعيد بن جبير يوم مات وأهل الأرض من مشرقها إلى مغربها محتاجون لعلمه.

ج ـ ومن صفاته أنه كان عبوسا سيئ الخلق ، لم يظهر منه لندمائه بشاشة ، ولا سماحة في الخلق لقد كان فظا غليظا تنفر منه النفوس فقد غرق في الجريمة والاثم ... هذه بعض مظاهر شخصيته وصفاته.
.
كفره والحاده :
وحكم جماعة من أعلام المسلمين بكفره وإلحاده ، منهم سعيد بن جبير والنخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي وغيرهم أما ما يدلل على كفره فاراقته لدماء المسلمين بغير حق ، واشاعته للخوف والارهاب بين الناس ، ولو كان مسلما لما فعل ذلك ، كما صدر عنه بعض التصريحات التي أدلى بها وهي تدل على كفره ، ومن بينها ما يلي:
.
الاستهانة بالنبي (ص):
واستهان الحجاج بالنبي العظيم (ص) ففضل عبد الملك بن مروان عليه فقد خاطب الله تعالى أمام الناس قائلا : « ارسلوك أفضل (الراسل أو الفاعل هنا هو الله سبحانه) ـ يعني النبي (وهو المفعول به أو من أرسله الله) ـ أم خليفتك ـ يعني عبد الملك ـ » , وكان ينقم ويسخر من الذين يزورون قبر النبي (ص) ويقول : « تبا لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية ، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ، ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله » , وعلق الدينوري على كلامه هذا بقوله : إنما كفروه ـ يعني الحجاج ـ بهذا لأن في هذا الكلام تكذيبا لرسول الله (ص) .. فانه صح عن رسول الله (ص) ان الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
.
لقد دلت تصريحاته ، وأعماله على كفره ، ومروقه من الدين ، وانه لا علاقة له بالله ، ولو كان يرجو لله وقارا ، ويؤمن باليوم الآخر لما أقترف تلك الاعمال التي باعدت بينه وبين الله ، وبقيت سمة عار وخزي عليه وعلى الحكم الاموي كله.

جرائم الحجاج :
وحفل حكم هذا الخبيث بالجرائم والموبقات ، ومن بينها :
التنكيل بالشيعة :
ونكل الطاغية الفاجر بشيعة آل البيت فأذاع فيهم القتل ، وأشاع في بيوتهم الثكل والحزن والحداد ، وقد كان عبد الملك قد كتب إليه « جنبني دماء بني عبد المطلب فليس فيها شفاء من الحرب ، وإني رأيت آل بني حرب قد سلبوا ملكهم لما قتلوا الحسين بن علي » , ولكن الحجاج قد تعرض إلى شيعة العلويين فانطلقت يده في الفتك بهم وسفك دمائهم حتى ان الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال له من شيعة علي ويقول المؤرخون إن خير وسيلة للتقرب إلى الحجاج هي انتقاص الخليفة علي بن أبي طالب  فقد أقبل إليه بعض المرتزقة من أوغاد الناس وأجلافهم وهو رافع عقيرته قائلا:
« أيها الامير ، ان أهلي عقوني فسموني عليا ، وإني فقير بائس ، وأنا إلى صلة الامير محتاج ... » , فسر الحجاج بذلك وقال : « للطف ما توسلت به ، فقد وليتك موضع كذا ».
.
وعلى أي حال فقد ذهبت الشيعة في عهد هذا الجلاد طعمة للسيوف والرماح ، فقد نكل بهم وقتلهم تحت كل حجر ومدر وأودع الكثيرين منهم في ظلمات السجون ... لقد أثار الحجاج في صفوف الشيعة جوا من الارهاب ، لم تشهد له الشيعة مثيلا حتى في أيام الطاغية زياد ، وابنه عبيد الله.
.
محنة الكوفة :
وامتحنت الكوفة في أيام هذا الجبار كأشد ما تكون المحنة ، فقد أخذ يقتل على الظنة والتهمة ، ويأخذ البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر وقد خطب في الكوفة خطابا قاسيا ، لم يحمد الله ، ولم يثن عليه ، ولم يصل على النبي (ص) وكان من جملة ما قاله فيه :
« يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق ، والنفاق ، والمراق ، ومساوئ الاخلاق ان أمير المؤمنين ـ يعني عبد الملك ـ فتل كنانته فعجمها عودا عودا ، فوجدني من أمرها عودا ، وأصعبها كسرا ، فرماكم بي ، وأنه قلدني عليكم سوطا وسيفا ، فسقط السوط وبقى السيف ثم قال : اني والله لارى أبصارا طامحة ، وأعناقا متطاولة ، ورءوسا قد أينعت ، وحان قطافها ، وإني أنا صاحبها كأني أنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى.
.
ومضى الجلاد فشهر السيف وأطاح بالرؤوس ، ونشر من الرعب والارهاب ما لا يوصف حتى قال له أبو وائل الاسدي : « وأيم الله ما أعلم الناس هابوا أميرا قط هيبتهم إياك » , وبلغ من عظيم خوف الناس انه لم يبق أحد في مجلسه إلا خشي علي نفسه ، وارتعدت فرائصه كما يقول بعضهم: لقد امتحن العراقيون امتحانا عسيرا في زمن الحجاج ، فقد صب عليهم وابلا من العذاب الاليم.
.
رمي الكعبة بالمنجنيق: 
ومن جرائم هذا الطاغية انه قاد جيشا مكثفا إلى مكة لمحاربة ابن الزبير بناء علي أمر من سيده عبد الملك بن مروان ، ومن أجل ذلك فقد حاصر البيت الحرام ستة أشهر وسبع عشر ليلة ، وقد امر برمي الكعبة المشرفة فرميت من جبل أبي قبيس بالمنجنيق ،  ودام الحصار حتى قتل عبد الله بن الزبير ، وصلب منكوسا وبعث برأسه الى عبد الملك فأمر ان يطاف به في البلاد ولم يرع وقارا لبيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا فقد انتهك حرمته ، وقبله يزيد بن معاوية ولم يقم له اي حرمة.
.
سجون ومعتقلات الحجاج :
واتخذ الطاغية سجونا ومعتقلات لا تقي من حر ولا برد ، وكان يعذب المساجين بأقسى الوان العذاب ، فكان يشد على بدن السجين القصب الفارسي الشقوق (هو  البوص الجاف) ويجر عليه حتى يسيل دمه ، ويقول المؤرخون انه مات في حبسه خمسون الف رجل ، وثلاثون الف امرأة منهن ستة عشر الفا مجردات كان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد واحصي في محبسه ثلاث وثلاثون الف سجين لم يحبسوا في دين ولا تبعة وكان يقول لاهل السجن : ( اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ ) وبذلك شبههم بأهل النار ، وشبه نفسه بالخالق تعالى ، عتوا وتكبرا منه.
.
ومن طريف ما يذكر ان بعض قراء القرآن روى ان الحجاج قرأ في سورة هود ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) فلم يدر أهي عمل أم عمل (أي إسم أم فعل) ، فقال : ائتوني بقارئ ، فأتوا بي وقد قام من مجلسه فحبست ، ونسيني الحجاج حتى أتي السجن بعد ستة أشهر فلما ان انتهى إليّ قال : فيم حبست؟ قلت : في ابن نوح أصلح الله الامير فضحك وأطلقني.
.
وفات الطاغية :
وأهلك الله هذا المجرم الخبيث الذي أغرق البلاد بالمحن والخطوب فقد ذكرت بعض المراجع أن الحجاج قد أصابته الاكلة في بطنه (السرطان) ، وسلط الله عليه الزمهرير فكانت المواقد تحيط به مملوءة تبعث نارا ، وتدنى منه حتى تحرق جلده ، وهو لا يحس بها وأخذت منه الآلام مأخذا عظيما فشكا ما هو فيه إلى الحسن البصري فقال له : قد كنت نهيتك أن تتعرض للصالحين ، فأبيت ، فقال له : يا حسن لا أسألك أن تسأل الله أن يفرج عني ، ولكن أسألك أن تسأله أن يعجل قبض روحي ، ولا يطيل عذابي وظل الجلاد يعاني آلام الموت وشدة النزع حتى هلك  ومضت روحه الخبيثة إلى بارئها.
وقد انكسر بموته باب الجور ، وانحسرت روح الظلم ، ولما بلغ هلاكه الحسن البصري قال اللهم أنت أمته ، فأمت سنته , وتلقى المسلمون نبأ وفاته بمزيد من السرور والافراح.

عبد الملك مع الأخطل :
كان الاخطل شاعر بني أميّة ولسانهم الناطق ، وكان مفضلا عند عبد الملك فقد دخل عليه وهو ثمل يترنح فأنشده البيتين:
إذا ما نديمي علني ثم علني
ثلاث زجاجات لهن هدير
خرجت أجر الذيل تيها كأنني
عليك أمير المؤمنين أمير
ويا للدهشة فلم يتخذ معه أي أجراء حاسم.
وقد قال لعبد الملك حينما عرض عليه الاسلام إن آمنت احللت لي الخمر، ووضعت عني صوم رمضان اسلمت ، فقال له عبد الملك : إن أنت أسلمت ثم قصرت في شيء من الاسلام ضربت عنقك.
فقال الاخطل :
ولست بصائم رمضان عمري
ولست بآكل لحم الاضاحي 
.

مراجع الفصل الرابع:
مراجع الفصل الثالث:
شرح ابن أبي الحديد ٢ / ٥٣.
تأريخ اليعقوبي ٣ / ٤.
تأريخ ابن كثير ٨ / ٢٦٠.
تأريخ ابن كثير ٨ / ٢٦٠ 
النزاع والتخاصم للمقريزي ( ص ٨ ).